El Líder Revolucionario Ahmad Urabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Géneros
فلما أقبل الركب صدحت الموسيقى بالسلام، وهتف الجنود بحياة الخديو منادين النداء المعتاد: «أفندمز جوق باشا» - أي يعيش أفندينا - وكان في انتظاره على سلم المجلس جميع الوزراء، ورئيس مجلس النواب وبعض أعضائه فتلقوه بالإجلال ... وقصد إلى الغرفة المعدة لاستراحته فلبث بها هنيهة قصيرة، ثم أنهى إليه محمد سلطان باشا رئيس المجلس، أن المجلس قد استعد وكمل اجتماع الأعضاء، فسار الخديو ودخل قاعة الاجتماع في نحو الساعة الحادية عشرة وحيا الأعضاء ... فتلقوه بجميل الإعزاز والإجلال.
وأخذ مجلسه يحف به كبار رجال الدولة، وافتتح المجلس بتلاوة خطبة العرش، وقد تلاها بنفسه، وهذا نصها:
أبدي لحضرات النواب مسروريتي من اجتماعهم، لأجل أن ينوبوا عن الأهالي في الأمور العائدة عليهم بالنفع، وفي علم الجميع أني من وقت ما استلمت زمام الحكومة، عزمت بنية خالصة على فتح مجلس النواب ... ولكن تأخر افتتاحه للآن بسبب المشكلات التي كانت محيطة بالحكومة. فأما الآن، فنحمد الله تعالى على ما تيسر لنا من دفع المشكلات المالية بمساعدة الدول المتحابة، ومن تخفيف أحمال الأهالي على قدر الإمكان، فلم يبق مانع من المبادرة إلى ما أنا متشوق لحصوله، وهو مجلس النواب الذي أنا فاتحه في هذا اليوم باجتماعكم، وأنتم تحيطون علما أن جل مقاصدي ومساعي حكومتي هو راحة الأهالي ورفاهيتهم، وانتظام أمورهم بتعميم العدالة بينهم، وتأمين سكان القطر على اختلاف أجناسهم، وهذا منهجي واضحا مستقيما، وعليه سيري منذ توليت أمركم، محبا للتربية ونشر العلوم والمعارف.
فعلى المجلس أن يكون مساعدا للحكومة في هذه الأمور كلها، خالصا مخلصا في خدمة الوطن، منحصرة أفكاره ومذكراته في المنافع العمومية، مع مراعاة قرار لجنة التصفية وسائر تعهدات الحكومة مع الدول، سالكا المسلك المعتدل والمنهج القويم الذي هو أهم شيء في هذا الوقت، الذي هو عصر الترقي والتمدن ... فالواجب علينا الاعتدال والتأني وحسن التبصر، وأن نكون يدا واحدة في إتمام الأعمال النافعة، متوسلين بعناية الله تعالى وإمداد رسوله الكريم، ومتمسكين بقوة ارتباطنا بالحضرة الشاهانية والدولة العلية أدامها الله، نسأل الله حسن النجاح إنه ولي التوفيق.
ولما انتهى الخديو من تلاوة خطبة العرش هتف الجميع له، وأطلقت المدافع من القلعة مؤذنة بانتهاء الخطاب مبشرة باجتماع مجلس النواب ... ثم برح الخديو مكان الاجتماع، وصدحت الموسيقى بنغمات التحية له، وعاد إلى سرايه في موكب حافل.
وتعد خطبة الخديو توفيق من الوثائق الهامة في تاريخ مصر الدستوري؛ لأنها أول خطبة لولي الأمر في افتتاح أول مجلس نيابي كامل السلطة في تاريخ مصر الحديث، وهي في مجموعها سديدة المعاني واضحة الأسلوب، متضمنة إعلان الخديو انضمامه إلى الأمة في إقرار النظام الدستوري، وقد ألقاها بنفسه دون أن يستنيب عنه رئيس مجلس الوزراء كما هو العرف البرلماني، فكان في إلقائه إياها تثبيتا وتوكيدا لما احتوت عليه من الآراء والمعاني.
لم تكن جلسة الافتتاح علنية، وذلك طبقا للائحة مجلس شورى النواب القديمة ... ولكن الحكومة تجاوزت عن تطبيق هذا النص ، فدخل كثير من النظارة مكان الاجتماع، ووقفوا حول مقاعد الأعضاء حتى انتهت حفلة الافتتاح، ولم يدع أحد من قناصل الدول إلى حضور الحفلة باعتبارها حفلة سرية طبقا للائحة القديمة، ولأن هذا الاجتماع من شئون البلاد الداخلية، وقد أعد في القاعة 120 كرسيا لجلوس النواب، وكانوا في الواقع أقل من ذلك ... ولكن الحكومة كانت معتزمة تعديل اللائحة الأساسية القديمة بزيادة عدد النواب عن بعض المديريات، وانتخاب نواب عن السودان، فأعدت منذ افتتاح المجلس المقاعد الكافية لهذا العدد ... وأعدت كذلك نحو 400 كرسي للنظارة؛ لاعتزامها جعل جلسات المجلس علنية في اللائحة الجديدة.
وبعد انصراف الخديو دخل النواب مكان الأقلام «اللجان» وظلوا مستريحين ساعة من الزمن، ثم عادوا إلى قاعة المجلس واستأنفوا اجتماعهم، فألقى فيهم محمد سلطان باشا الخطبة الآتية:
أيها السادة النواب
نحمد الله الذي جعل أمرنا شورى، ونصلي ونسلم على نبيه المأمور بالشورى والآمر بها. وبعد، فقد سمعتم ما تضمنته المقالة الخديوية الكريمة من حسن القصد وسمو الإدارة، فما زادكم إلا يقينا بما عهدتم بالجناب المعظم من صفاء النية وكرم العنصر وسلامة الطوية، والارتياح إلى المصلحة الوطنية ... وقد اجتمعتم في هذا المكان الرفيع بعناية الجناب العالي ورجال حكومته السنية للنظر في أمور أوطانكم، وأنتم خلاصة وجهاء القطر وبضعة أعيانه ونبهائه، فواجباتكم من هذا القبيل تقضي عليكم بالحكمة والاعتدال والثبات ...
Página desconocida