Utopía: Una Introducción Muy Corta
اليوتوبية: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
يقدم بوبر حجة مشابهة فيقول:
لا يمكن الإبقاء على النهج اليوتوبي إلا عن طريق الاعتقاد الأفلاطوني في مثل أعلى مطلق غير قابل للتغيير، إلى جانب افتراضين آخرين؛ هما: أنه توجد وسائل عقلانية لتحديد هذا المثل الأعلى على نحو حاسم، وكذلك وجود طرق مثلى لتحقيقه.
وهذه الحجة مشابهة للزعم الذي ساقه توماس هوبز (1588-1679)؛ فيلسوف القرن السابع عشر الإنجليزي، في كتابه «لفياثان» (1659)، بأنه بسبب غياب «العقل السليم»، ستكون العيشة في الحالة الطبيعية للإنسان «فقيرة وكريهة وبهيمية وقصيرة.» لكن يخلص هوبز إلى أنه من ثم يجب أن يؤسس نظام الحكم بوصفه «العقل السليم»؛ فهذا هو السبيل الوحيد لضمان الأمن الذي سيتيح بلوغ حياة كاملة؛ ولهذا السبب وصف البعض عمل هوبز هذا بأنه يوتوبيا.
شكل 6-1: كان كارل بوبر (1902-1994) من بين أهم فلاسفة العلم في القرن الماضي. ولد بوبر وتلقى تعليمه في النمسا، وقضى أغلب حياته العملية في كلية لندن للاقتصاد. وكتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» (1945) (إضافة إلى عدد من الطبعات اللاحقة) هو أهم إسهاماته في الفكر الاجتماعي والسياسي.
يدفع بوبر بوجود عملية من الإصلاح المتأني، يطلق عليها «الهندسة الاجتماعية الجزئية»، بدلا من «الهندسة اليوتوبية»، ويقول إنه عوضا عن النهج اليوتوبي، ينبغي أن نحاول الحد من «الشرور الواقعية». وفي إطار إقامته لحجته، يقارن بوبر بين صنفين من العقل، صنف يطلق عليه المنطق، وهو ما يؤيده، والصنف الآخر يساوي بينه وبين اليوتوبية؛ لأنه يقتضي غاية محددة - اليوتوبيا. وما هو عقلاني بالنسبة له يتحدد حسب علاقته بتلك الغاية، وهو شيء على غرار «الغاية تبرر الوسيلة».
غالبا ما يستخدم مناهضو اليوتوبية مثل بوبر كلمة «مخطط» لوصف اليوتوبيات، وهي كلمة يرفضها أغلب مؤيدي اليوتوبيا رفضا باتا. وقد كتب المنظر السياسي الأمريكي جورج كاتب (المولود عام 1931) أن «أي مفكر يوتوبي جاد لن يشعر بالراحة تجاه فكرة المخطط، لفكرة التوصيات المفصلة لكل منحى من مناحي الحياة.» بعبارة أخرى، إن الحجة المؤيدة لليوتوبية تقول بأن اليوتوبيات لا تخلق الأدوات التي يقول بوبر وآخرون إنها تخلقها.
لكن مناهضي اليوتوبية ليسوا مخطئين تماما في وصفهم لما يمكن أن يحدث إن آمن شخص، أو مجموعة يتمتعون بالسلطة لفرض إرادتهم على الآخرين، بأن اليوتوبيا هي الحل الوحيد لمشاكل البشرية. ولا يبتعد هذا عن اليوتوبيا سوى بضع خطوات؛ حيث يجب أن تتحول اليوتوبيا أولا إلى أيديولوجية (منظومة من الأفكار)، ويجب أن يتمتع المؤمنون بها بسلطة، كما حدث مع الشيوعية في روسيا، والنازية في ألمانيا، وفي كمبوديا في ظل حكم بول بوت (1928-1998). لكن حتى إن قبلنا بوجود يوتوبيات جاءت على إثر الفظائع التي ارتكبت باسمها، لم يتمثل في أي منها اليوتوبيا المفصلة التي وصفها مناهضو اليوتوبيا. كانت اليوتوبيات غامضة تماما؛ ولم تكن محددة إلا في أجزاء منها، وظهرت المشكلة عندما أعطي الأفراد سلطة تحديد التفاصيل ومحاولة جعل مجتمعاتهم تمتثل لتلك التفاصيل. وقد عرض آدم سميث (1723-1790)، الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي، هذه المسألة على نحو بديع، فكتب:
الرجل الذي لديه نظام يسعى لفرضه على الآخرين ... عادة ما يكون حكيما جدا في خيلائه، وكثيرا ما يكون متيما بالجمال المفترض لخطة الحكم المثالية التي يؤمن بها، لدرجة أنه لا ينحرف قيد أنملة عن أي جزء منها، ويمضي في تطبيقها على نحو كامل وبكل تفاصيلها، دون أي اعتبار للمصالح العليا أو التحيزات القوية التي قد تعترض عليها. يبدو أنه يتخيل أنه بمقدوره ترتيب القطع المختلفة على رقعة شطرنج، ولا يدرك أن القطع على رقعة الشطرنج لا يحكمها أي قانون آخر للحركة باستثناء القانون الذي تفرضه اليد التي تحركها؛ لكن على رقعة الشطرنج الكبرى التي تضم المجتمع الإنساني، لكل قطعة مفردة قانون حركة خاص بها يحكمها، مختلف تماما عن القانون الذي ترتئي الجهة التشريعية أن تفرضه عليها. فإن توافق كلا القانونين وعملا في نفس الاتجاه، فإن لعبة المجتمع الإنساني ستستمر بسلاسة وتناغم، وأغلب الظن أن اللعبة ستكون ناجحة وسعيدة. أما إن كانا متعارضين أو مختلفين، فستسير اللعبة على نحو بائس، وستجد المجتمع في كل الأوقات في أشد درجات الاضطراب.
يعبر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1804) عن تلك الإشكالية على نحو بارع، فكتب يقول: «من الضلع البالغ الاعوجاج المخلوق منه الإنسان، لا يمكن بناء شيء قويم تماما»؛ فمن يريدون إجبار «ضلع الإنسانية الأعوج» على الاستقامة ويتمتعون بالسلطة للمحاولة هم المشكلة، وليس الاعتقاد بأن العالم يمكن أن يكون أفضل. وحتى بوبر يجب أن يكون لديه تصور عن المقصود بكلمة «أفضل» عندما يؤيد التخلص من «الشرور الواقعية». يحمل أحد أعماله - الذي هو عبارة عن مجموعة من المقالات - عنوان «بحثا عن عالم أفضل» (1992)، ورغم أن بقية العمل مناهض لليوتوبية، فإن الجملة الأولى منه هي: «المخلوقات كافة تبحث عن عالم أفضل.»
لكن من الممكن أن ينخدع الناس. يعلق على تلك النقطة آرثر كوستلر (1905-1983)؛ الكاتب الذي كان شيوعيا من عام 1931 حتى عام 1938، في عمله «ممارس اليوجا والمفوض»، فيقول:
Página desconocida