Jonás en el vientre del pez

Abd Ghaffar Makkawi d. 1434 AH
65

Jonás en el vientre del pez

يونس في بطن الحوت

Géneros

ها هو القصر بلغته بعد أن تمزقت قدماي وغطى الغبار بشرتي. وها أنا ذا أتقدم من الحراس الأشداء. إنهم يظللون جدران القصر بهيبتهم، ويتسامقون عن جانبيه كالأشجار العتيقة المتكبرة. سوف لا أهاب شيئا، سوف أقول لهم: لقد بعثني الأمير إلى هذا القصر. سيضحك الحراس بلا مراء، وسيتخذون مني أضحوكة لهم، وربما هجم أحدهم فقبض علي بين ذراعيه كأنني دمية عاجزة، لكن هذا كله لن يخيفني، لن يضيرني أن أنتظر يوما أو يومين، أو أن أقف عند البوابة المرمية شهرا أو شهرين.

فسوف أبعد عن القصر وفي نفسي أحسن الذكريات، ألست قد عرفت الطريق إليه؟ ألست قد ألفت الحراس، وضاحكتهم، وحفظت ملامح وجوههم؟ ألم أفلح - إلى هذا كله - في أن أعطفهم على حالي، وأن أسرد عليهم حكايتي وتاريخي؟ ألست قد لمست يد الحارس؟ وأليست يد هذا الحارس ستلمس يد رئيسه الذي يفوقه قوة وبأسا؟! وهذا الأخير، من ذا يشك في أنه سيسلم على كبير حراس قيصر؟ أما كبير الحراس فإنه يسلم على قيصر نفسه في كل يوم مرات، أفلا أكون بهذا قد لمست يد قيصر؟!

ربما وجدتهم في المرة التالية يقولون لي: تفضل، لقد أذن لك قيصر، وهو ينتظرك في شوق وقلق في الردهة الكبرى!

سأمضي في طريقي غير هياب. - هل تسمح لي أيها الحارس المبجل. - أراك رجلا من الشعب. - إني لكذلك يا سيدي. - إذن فقد أخطأت الطريق. - ولكن قيصر هو الذي بعث بنفسه إلي يا سيدي.

ويفطن هذا الحارس الغبي إلى خطئه حين يهرع إلى حارس آخر أعلى منه رتبة ليقول لي: تفضل مكرما، نحن ننتظرك من سنين وسنين، ألست أنت ... (وهنا ينطق باسمي.) - نعم أنا هو يا سيدي. - ادخل، ادخل؛ إن قيصر العظيم مشتاق إلى رؤياك!

وأصعد سلالم الرخام الناصعة، حريصا حتى لا تنزلق قدمي. وأمر يدي لأنعمها بملمس الأعمدة الملساء، وأسير في معبر طويل لا تكاد نهايته أن ترى - وحين أبلغ قاعة فسيحة عليها حراس متدثرون بسترة زرقاء، تلمع فوق أكتافهم نجوم وأقمار ذهبية براقة، أسألهم: أنبئوا قيصر أن رجلا من شعبه الأمين قد جاء؟ - ولكن هذا مكان حاجب الوزير.

فأرد عليهم ساخطا: من قال لكم إنني أريد مقابلة الوزير؟!

فيجيبني أحدهم وهو يحاول أن يرضيني: أردنا أن نقول إنه وزير قيصر.

وأنصرف عنهم لأواصل سيري. عما قريب سأجد قيصر وسأمثل بين يديه. كيف يصدق أخوتي وصحابي أنني مثلت بين يدي قيصر؟! من كان يظن أن هذا سيحدث لرجل مثلي؟! وأدور من قاعة إلى قاعة، مبهورا بالسحر الذي يتخايل أمام ناظري، في الثريات، والطنافس، والرسوم، والمرايا ، والرياش، والتحف الغالية. ولكني سأمضي قدما حتى أجد قيصر، وسوف تشغلني عما أرى أفكاري التي تضطرب في خاطري، وخطابي المنمق الطويل الذي سألقيه بين يديه.

ويقفز أمامي رجل طويل غرق جسده في ثوب رمادي يبدو وكأنه قد خرج من بين الجدران ليقول لي: أي شيطان جاء بك إلى هنا؟

Página desconocida