وقد رمم الحصن القائم في الزاوية البارزة الواقعة جنوب غربي السور حتى أصبح في حالة صالحة جدا للدفاع، ويقال له نظرا لشكله «الحصن المثلث»، ولكنه أبيد بالنيران التي اشتعلت في مستودع باروده قبيل آخر عام 1801م.
وتنتصب أبراج هذا السور المشيدة حسب مستلزمات الحرب في الأزمنة الغابرة، شامخة فوق مبانيها التي أعدت لإقامتها عليها، وجميعها منتهية بمماشي بارزة عن قواعدها، وبهذه المماشي شرفات بها كوى وثقوب بواسطتها يمكن منع من يريد الدنو من هذا السور. وكافة الأبراج التي في الخط الخارجي لها أبواب سرية أو أبواب للخروج تطل على الخنادق، وأغلب هذه الأبواب مرتفعة العتبات مترا أو مترين عن قاع الخنادق، ويحجبها الآن ساتر من البناء.
ويشاهد في صلب بناء حيطان الأسوار وبالأخص في أساس أغلب الأبراج كثير من أعمدة الرخام والصوان مندمجة اندماجا أفقيا فيها، ويرى أحد طرفيها من الخارج . وبعض أجزاء وجهات هذه الحيطان مطلية بالمرمر؛ لوقاية جوانبها من تأثير رطوبة البحر الملح التي تحدثها أنداء الليل الكثيفة المنتشرة على ساحل مصر. ويعاين الإنسان تأثير الرطوبة الشديد في الحجر الجيري ويرى كيف تحلله هذه الرطوبة بدرجة كبيرة متى تأمل في حيطان السور القريبة من باب رشيد وفي الزاوية البارزة القائمة عنده.
وفي هذا السور خمسة أبواب، منها اثنان في واجهة المدينة الحديثة، واحد في الشرق يسمى «باب رشيد»، والآخر في الجنوب يسمى «باب العمود» - عمود السواري - ثم الباب الذي في الغرب، وهو الذي يطل من البرج الهائل على المرفأ القديم «الميناء الغربية»، وهذا البرج هو آخر الأبراج غربا. وهذه الأبواب مفتوحة في الأبراج الراكبة فوق السور وفتحاتها تواريها من الخارج حيطان الأبراج. وتستخدم هذه الأبواب للاستكشاف وللدفاع عن الحامية على النمط الذي تستخدم فيه الأبواب السرية التي في جوانب أبراج حصون فرنسا. ومصاريع هذه الأبواب من النجائر المتينة المصنوعة من خشب الجميز، ووجهاتها الخارجية مكسوة بصفائح من الحديد مثبتة بمسامير ذات رءوس بارزة مشطوفة، ولكن هذا الحديد أكله الصدأ. أما خشبها الذي انحلت قشوره قليلا فهذا لم يزد على مرور الأيام وكرور الأعوام إلا متانة. ويوجد على وجهات هذه الأبواب كتابة عربية كوفية وغير كوفية، منها يعلم زمن إنشائها. ا.ه.
والحقيقة أن عدد الأبواب لا بد أن يكون ستة لا خمسة؛ لأنه كان يوجد في الجنوب بابان لا باب واحد كما قالوا. ومما يؤسف له أشد الأسف أن الكتابة المنوه عنها في هذا الوصف التي كانت على أبواب هذا السور لم تنقل مع أنها كانت تنبئنا على الأقل عن اسم منشئ هذه المباني العظيمة.
وعدا أبراج سور العرب المذكورة كان يوجد من الحصون عند مجيء الحملة الفرنسية قلعة فاروس أو قايتباي التي هي عبارة عن سور محصن على طراز العصر الذي بنيت فيه وتحتوي على برج مربع الشكل مشيد في أركانه أربعة أبراج صغيرة، وبمماشيه شرفة فيها مصباح يضاء في الليل. وكان في غرف هذا البرج العليا أكداس من الأسلحة المختلفة تراكم فوقها الصدأ، وتدل حليها وأشكالها على أن بعضها من أسلحة الصليبيين والبعض الآخر من أسلحة حملة لويس السادس عشر المنكودة، كما كان يوجد حصن آخر يقال له طابية فاروس الصغيرة لوقوعه إزاء القلعة السابقة، وهو الطابية المعروفة بطابية السلسلة الحالية. وهذه الطابية كانت مشيدة في نهاية خط الصخور التي هي نهاية الميناء الشرقية من جهة الشرق، وقد بنيت هذه الطابية للدفاع عن هذه الميناء. والصخور الموصلة لهذه الطابية الصغيرة مرتفعة عن منسوب ماء البحر، ولكنها كانت تغمر به عند اشتداد الأنواء.
وعند قدوم الفرنسيين لم يكن يوجد من هذه الطابية الصغيرة إلا برج مربع الشغل متخرب، به بعض أجزاء من مدافع برى الصدأ حديدها من جراء رطوبة البحر الملح التي حللت هذا الحديد وصيرته شرائح ونفايات معدنية.
ثم كان يوجد في موضع مدرسة رأس التين الأميرية الآن حصن ثالث يشرف على الميناء الغربية.
ولما احتل الفرنسيون المدينة شيدوا حصونا لحمايتها من الاعتداء عليها من الخارج، وهذا بيانها: (1) «حصن كوم الدكة»: وهو الحصن الباقي إلى الآن وسموه حصن كريتان
Fort Crétin
Página desconocida