ولكنه نوى أن يدهشنا فكتب له ثواب النية دون أثرها ومقصدها ، فإن خبرا عن بحوث إراتستين لن يدهشنا؛ لسبب بسيط لا حيلة للأستاذ ولا لنا نحن فيه.
فحكاية إراتستين هذه قد كتبنا عنها قبل أكثر من ثلاثين سنة، فقلنا في فبراير سنة 1924:
وعلى خطوات من ذلك المقياس بئر أخرى لا تقل عن بئر المقياس خطرا، ولا تقصر عنها عراقة وأثرا؛ تلك هي - على عهدة الرواة - بئر إراتستين التي اهتدى منها إلى قياس محيط الأرض، وأدرك على قاب لمحة فيها ما لا يدركه الآخرون بغير طواف الأعوام والشهور، وعرف قبل المسيح بقرنين ما أيده العلم بعد المسيح بقرون.
كتبنا هذا قبل أكثر من ثلاثين سنة، وسمعنا قصته قبل أكثر من أربعين سنة؛ لأن المكان الذي عرف فيه العالم الإسكندري زاوية الفلك بين أسوان والإسكندرية، إنما كان حيث ولدت، على مقربة من مسقط رأسي، ورأيناه وعرفنا قصته على غير اختيار منا كما نرى البيوت والآثار من حولنا، ثم تتبعنا الجديد في هذه القصة بعد القديم، فلم نر فيه تعديلا لقاعدة ولا تخطئة لنظرية، ولم نعلم أن دقة أكثر من تلك الدقة أضيفت في الزمن الحديث إلى القاعدة التي اعتمد عليها العالم القديم؛ لأن هذه القاعدة لا تتغير ولن تتغير ولا يمكن أن تتغير؛ وهي أن العلم بطول الجزء من المحيط يعرفنا بطول المحيط كله.
هذه هي القاعدة التي اعتمدها إراتستين، وهي لا تتغير في هذا الزمن، ولن تتغير أبد الآبدين ودهر الداهرين، وليس الخطأ منها، ولكنه من حسبان أسوان وإسكندرية على خط مستقيم، ومن حسبان الأرض كرة تامة التدوير.
ولا شان للآلات الحديثة بهذه الحقيقة؛ لأن تغيير الآلات لا يغيرها، ولكنه يغير قياس المسافات الأرضية، سواء أخطأ إراتستين أو أصاب، وكذلك تتجدد المقاييس والضوابط ولا يحتاج العلم بالجديد منها إلى أكثر من النظر بالعين.
والشيء الذي لم نفهمه هو قول الأستاذ الفاضل إن النتائج «جاءت بما يعتبر كشفا جديدا في هذه الدراسات؛ فقد وجد الدكتور سليفر
Lowell
أن هناك تغيرا كبيرا في المساحات الداكنة، وهي أول مرة يثبت فيها تغير بهذا المقدار.»
فالذي نفهمه أن هناك عالمين يبحثان في أرصاد المريخ: أحدهما يسمى سليفر
Página desconocida