El día que murió el diablo
يوم مات الشيطان
Géneros
في اليوم التالي ذهبوا يحلقون فوق القرى المحيطة بالمدينة ببدلات الطيران، كلما تعبوا عادوا إلى المركبة وهي تتبعهم. مروا فوق الجبال والحقول خضراء، والجداول تنهمر من عرض الجبال. أزهرت الفرحة في عينيه حين رأى موقع قريته في «الأعروق». هبط هناك هو وحورياته فوق تل صغير في مكان مخصص للمركبات. لم يصدق عينيه وهو ينظر إلى منازل قريته، وقد صارت تشبه المنتجعات السياحية. مشى قليلا في القرية، خيل إليه أنه سيعرف أحدا من أقاربه. عبر حقول الفول السوداني، حيث كان يلعب سابقا في صغره مع أقرانه فيه. لم يلتفت إليهم أحد من أهل القرية غير عجوز تلبس قميصا وسروالا، وشعرها الأشيب ينساب إلى الكتفين. سألها: كيف حالك يا جدة؟ - بخير، من أنت يا ابني؟! - أنا مروان ناجي مدهش الراعي، وأمي اسمها غصون ثابت علي، من هذه القرية يا جدة. - يا ابني أنا عمري 220 عاما، لم أسمع بهذا الاسم.
أخذ مروان يذكر لها أسماء أسر القرية وأجداده؛ فاستعادت الجدة ذاكرتها، إذا بها تحدق في مروان وتقول بدهشة: ماذا تقول يا بني، معقول! أنت مروان ناجي.
وذهبت تنادي في القرية: يا سارة سلوى، أقبلي بسرعة، جدك قام من قبره، أعادوه للحياة مرة أخرى.
أخذت العجوز تقول له: الموت راحة لنا، لماذا عدت للحياة يا بني من جديد، وإن كان هناك متعة؟! لكن الحياة لا تخلو من التعب والألم.
حضرت سارة وأخذت تحدق في مروان، وتسأله عن نسبه. تأكدت أنه جدها الخامس. احتضنته وهي تقول: ابني فكري فيه شبه منك. راح تناديه وهو يحرث أحد الحقول على أنيموريبوت، وكان مروان يظنه ثورا. أتي فكري يجري فسقط على الأرض، وأصيب بجرح بليغ وينزف منه الدم، فأسرعت العجوز بإحضار جهاز يشبه القلم الكبير، ومررت شعاعا منه على الجرح، فخاطته سريعا ولم يعد فكري يشعر بالألم. قالت له: هذا مروان ناجي أحد أجدادك، انظر إليه إنك تشبهه.
احتفلت القرية بمروان ونسائه. سأل هو عن بقية أقربائه، عرف أنهم رحلوا عن القرية وتوزعوا في المدن بعد أن صار العالم دولة واحدة. جلس هو وحورياته في أحد منتجعات القرية، يشاهدون جبل «عصيران»، وقد أصبح كله مدرجات زراعية، وكذلك الجبال التي كانت جرداء في زمانه، وعلى رءوس الجبال المصعد الجوي، توصل أهل الريف من مكان إلى مكان. انطلق نادر في المصعد الجوي نحو شاطئ منطقة «الأثاور» لجلب السمك الطري. عبر فوق حقول الأرز على ضفاف الوديان .. عاد بعد ربع ساعة، وأكلوا وجبة بحرية مشوية بجهاز يستخدم أشعة الشمس. مكث ثلاثة أيام في قريته مع حورياته، وأهل القرية يستغربون من مروان ونسائه، وهم يحتسون شاي القات.
مشى مروان في الأماكن التي كانت جرداء وهو شاب صغير. تأكد له أنه في حالة رؤية للمستقبل لا شك فيها. تمنى ألا يصحو. رأى أن الله خلق الماضي والحاضر والمستقبل معا، وأعطانا الله القدرة لمشاهدة الحاضر فقط.
3
أثناء العودة إلى صنعاء، عادوا من جهة مدينة «باجل» الساحلية من بحر شبه جزيرة العرب، تارة يطيرون ببدلاتهم، وتارة يركبون المركبة. مروا فوق مدن عدة صغيرة، لا تقل روعتها عن المدن الأخرى. بدا الحزن يسيطر عليه وهو يتخيل الناس تغرق في الماء. كانت النسوة تراقب تصرفاته، لكنهن لم يلحظن إلا الحزن، فعطرنه بعطر السعادة، وهم يتجهون نحو صنعاء.
استقبلهم بروسي وفي يده سكين المطبخ، يلوح بها عاليا يرقص رقصة «البرع». درم، برم، درم برم .. وقال: «أترون أنني أرقص مثل مروان، لقد تدربت عليها أثناء غيابكم. ثم أخذ عصا حديدية ووجهها ضدهن، يقول: تك تك تك ...» كمن يطلق الرصاص.
Página desconocida