وإن عزم الملك أو رئيس العسكر على الغزاة إلى بلد الإسلام تلقاه بكجور إلى المكان الذي يؤمر بتلقيه إليه، وأن يشيعه في أعمال الهدنة، ولا يهرب من في الضياع ليبتاع العسكر الرومي ما يحتاجون إليه سوى التبن، فإنه يؤخذ منهم على رسم العسكر بغير شيء.
ويتقدم الأمير بخدمة العسكر الرومية إلى الحدّ، فإذا خرجت من الحدّ عاد الأمير إلى عمله، وإن غزا الروم غير ملّة الإسلام سار إليه الأمير بعسكره، وغزوا معه كما يأمر.
وأي مسلم دخل في دين النصرانية فلا سبيل للمسلمين عليه، ومن دخل من النصارى في ملة الإسلام فلا سبيل للروم عليه.
ومتى هرب عبدٌ مسلم أو نصراني، ذكرًا كان أو أنثى، من غير الأعمال المذكورة إليها، لا يستره المسلمون، ويظهرونه ويعطى صاحبه ثمنه عن الرجل ستة وثلاثون دينارًا، وعن المرأة عشرون دينارًا رومية، وعن الصبي والصبية خمسة عشر دينارًا. فإن لم يكن له ما يشتريه أخذ الأمير من مولاه ثلاثة دنانير وسلمه إليه. فإن كان الهارب معمدًا فليس للمسلمين أن يمسكوه، بل يأخذ الأمير حقّه من مولاه، ويسلّمه إليه.
وإن سرق سارق من بلاد الروم، وأخفى هاربًا أنفذه الأمير إلى رئيس العسكر الرومي ليؤدّبه.
وإن دخل رومي إلى بلد الإسلام فلا يمنع من حاجة.
وإن دخل من بلاد الإسلام جاسوسٌ إلى بلد الروم أخذ وحبس. ولا يخرب المسلمون حصنًا ولا يحدثون حصنًا، فإن خرب شيء أعادوه. ولا يقبل المسلمون أميرًا مسلمًا، ولا يكاتبوا أحدًا غير الحاجب وبكجور. فإن توفّيا لم يكن لهم أن يقبلوا أميرًا من بلاد الإسلام، ولا يلتمسوا من المسلمين معونةً، بل ينصب لهم من يختاره من بلاد الهدنة.
وينصب لهم الملك بعد وفاة الحاجب وبكجور قاضيًا منهم، يجري أحكامهم على رسمهم.
وللروم أن يعمروا الكنائس الخربة في هذه الأعمال، ويسافر البطارقة والأساقفة إليها، ويكرمهم المسلمون.
وإن العشر الذي يؤخذ من بلاد الروم، يجلس عشّار الملك مع عشّار قرعويه وبكجور، فمهما كان من التجارة من الذهب والفضة، والديباج الروميّ، والقّز غير معمول، والأحجار والجوهر واللؤلؤ، والسندس عشّره عشّار المكل. والثياب، والكتّان، والزبون، والبهائم، وغير ذلك من التجارات بعشّره عشّار الحاجب وبكجور بعده، وبعدهما بعشّر ذلك كلّه عشّار الملك.
ومتى جاءت قافلةٌ من الّروم تقصد حلب، يكتب الزروار المقيم في طرف الأمير إلى الأمير، ويخبره بذلك لينفذ من يتسلّمها ويوصلها إلى حل. وإن قطع الطريق عليها بعد ذلك، فعلى الأمير أن يعطيهم ما ذهب. وكذلك إن قطع على القافلة أعراب أو مسلمون في بلد الأمير، فعلى الأمير غرامة ذلك.
وحلف على ذلك جماعة من شيوخ البلد مع الحاجب وبكجور؛ وسلم إليهم رهينةً من أهل حلب: أبو الحسن بن أي أسامة وكسرى بن كسور، وابن أخت ابن أبي عيسى، وأخو أبي الحسن الخشّاب، وأبو الحسن بن أبي طالب، وأبو الطيب الهاشمي، وأبو الفرج العطّار، ويمن غلام قرعويه. وكن المتوسط في هذه الهدنة رجلًا هاشميًا من أهل حلب يقال له طاهر.
وعادت الروم عن حلب، وبقي الحاجب قرعويه في ولايتها والتدبير إليه وإلى غلامه بكجور، وذلك في صفر من سنة ٣٥٧.
وأقام سعد الدولة أبو المعالي بمعرة النعمان ثلاث سنين وراسله الحاجب وبكجور ومشايخ حلب في سنة ٣٥٨، على أن يؤدي إلى الروم قسطًا من مال الهدنة. وكان القيمّ بأمر أبي المعالي وعسكره رقطاش غلام سيف الدولة، وكان قد نزل إليه من حصن برزويه، وحمل إليه غلة عظيمة وعلوفة وطعامًا، ووسع على عسكره بعد الضّائقة ولم يؤدّ سعد الدولة ما هو مقرّر من مال الهدنة على البلاد التي في يده. فخرج الروم وهجموا حمص على غفلة.
وقيل: إن سعد الدولة استولى على حلب في سنة ٣٦٣. ووصله في شهر ربيع الأول رسول العزيز أبو القاسم أحمد بن إبراهيم الرسي من مصر، فأقام الدعوة له بحلب في هذه السنة، وأرسل معه إلى مصر جواب الرسالة قاضي حلب وأظنه ابن الخشّاب الهاشمي.
ووصل إليه بكجور من حلب وهو بحمص، فخلع عليه أبو المعالي وولاه حلب، وأقيمت له الدعوة فيها وفي سائر عملها، فوافق بكجور غلمان سيف الدولة على القبض على مولاه قرعويه وقصد أبي المعالي، وقلعه من حمص، فقبض عليه. وسار أبو المعالي إلى حلب.
1 / 29