وجعل بجكم يحث الراضي على الوصول إلى بغداد، ويتأسف على خروج ابن الرائق منها ليشفي غيظه؛ فقال له الراضي: هذا الأصلح، رجل قد أمنّته، وقلّدته ناحية من النواحي، فسمع وأطاع وما أمكنك منه.
فخرج أبو بكر بن الرائق في شهر ربيع الآخر من سنة ٣٢٧. وقيل: دخل حلب في سنة ٣٢٨، وسار عنها إلى قتال الإخشيد محمد بن طغج بن جف الفرغاني، وولى في حلب نيابة عنه خاصة محمد بن يزداذ.
وجرت بين أبي بكر بن الرائق والإخشيد وقعة. وانهزم فيها الإخشيد، وسلّم دمشق إلى بن رائق، واقتصر على رملة ومصر.
ثم وقع بينهما وقعة أخرى في الجفار أسر فيها أبو الفتح مزاحم بن محمد بن رائق، فرجع في عدة يسيرة حتى يخلّص ابنه، فقتل أبو نصر بن طغج، فكفّنه ابن رائق، وجعله في تابوت. وأنفذه إلى أخيه الإخشيد مع ابنه مزاحم، وقال: ما أردت قتل أخيك وهذا ولدي قد أنفذته إليك لتقيده به. فخلع الأخشيد عليه وأعطاه مالًا كثيرًا في سنة ٣٢٩.
ثم إن أبا بكر محمد بن طغج الإخشيدي سير كافورًا الخادم من مصر ومعه عسكر وفي مقدمته أبو المظفر مساور بن محمد الرومي، أحد قواد الإخشيد، فوصل إلى حلب، فالتقى كافور ومحمد بن يزداذ الوالي بحلب من قبل ابن الرائق، فكسره كافور وأسره، وأخذ منه حلب، وولى بها مساور بن محمد الرومي، وعاد كافور إلى مصر.
وهذا أبو المظفر مساور بن محمد الرومي مدحه المتنبي بقوله:
أمساورٌ أم قرن شمسٍ هذا ... أم ليت عابٍ يقدم الأستاذا
يريد بالأستاذ: كافور الخادم، وذكر فيها كسره ابن يزداذ. فقال:
هبك ابن يزداذ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا
ومساور هو صاحب الدار المعروفة بدار الرومي بالزجاجين بحلب، وتعرف أيضًا بدار ابن مستفاد، وهي شرقي المدرسة العمادية، التي جددها سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق بحلب، وهي المنسوبة إلى بني العجمي.
وأظن أن قاضي حلب في هذا التاريخ كان أبا طاهر محمد بن محمد بن سفيان الدباس، أو قبل هذا التاريخ.
ثم اتفق الإخشيد ومحمد بن الرائق بأن يخلي الإخشيد حمص وحلب ويحمل إليه مالًا، وزوج الإخشيد ابنته بمزاحم بن أبي بكر بن رائق.
وقتل ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان أبا بكر بن رائق في رجب سنة ٣٢٠، بين يدي المتقي يوم الاثنين لتسع بقين منه.
وكان ابن رائق شهمًا مقدامًا سخيًا جوادًا، لكنه كان عظيم الكبر، مستبدًا برأيه، منزوعًا من التوفيق والعصمة والتسديد.
وكان أحمد بن علي بن مقاتل بحلب من جهة أبي بكر بن الرائق ومعه ابنه مزاحم ابن محمد بن رائق فقلد ناصر الدولة علي بن خلف ديرا مضر والشام، وأنفذ معه عسكرًا، وكاتب يانس المؤنسي أن يعاضده.
وكان يانس على ديرا مضر من قبل ناصر الدولة. فساد إلى جسر منبج وسار أحمد بن مقاتل ومزاحم إلى منبج، فالتقوا على شاطئ الفرات.
وسيّر يانس كاتبه ونذيرًا غلامه برسالةٍ إلى ابن مقاتل، فاعتقلهما، ووقعت الحرب بين الفئتين، ولحق يانس جراح كادت تتلفه فعدل به إلى قلعة نجم ليمدد ونظر نذير غلامه وهو معتقل في عسكر ابن مقاتل، على بغل إلى شاكريّ ليانس معه جنيبة من خيله، فأخذ سيف الشاكري، وركب الجنيبة، وصار إلى ابن مقاتل فقتله وانهزم عسكره.
وأفاق يانس المؤنسي، فسار وعلي بن خلف متوجهين إلى حلب. وتلاوم قواد ابن مقاتل على هزيمتهم، فعادوا إلى القتال في وادي بطنان، فانهزموا ثانية، وملك علي بن خلف ويانس المؤنسي حلب في سنة ٣٣٠.
ثم إن علي بن خلف سار منها إلى الإخشيد محمد بن طغج، فاستوزره وعلا أمره معه، إلى أن رآه يومًا، وقد ركب في أكثر الجيش بالمطارد والزي، ومحمد جالس في متنزه له، فأمر بالقبض عليه، فلم يزل محبوسًا إلى أن مات محمد ابن طغج فأطلق. وبقي يأنس المؤنسي واليًا على حلب في سنة ٣٣١.
وكان يانس هذا مولى مؤنس المظفر الخادم وتولى الموصل في أيام القاهر، وكان يلي ديار مضر من قبل ناصر الدولة إلى ان كان من أمره ما ذكرناه. فاستأمن إلى الإخشيد ودعا له على المنابر بعمله.
واتفق ناصر الدولة بن حمدان وتوزون في سنة ٣٣٢ على أن تكون الأعمال من مدينة الموصل إلى آخر أعمال الشام لناصر الدولة، وأعمال السّنّ إلى البصرة لتوزون، ومما يفتحه مما وراء ذلك، وألا يعرض أحد منهما لعمل الآخر.
1 / 17