Caiga Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Géneros
وأقول لكل من يتعذب من جراء تعلم اللغة، أو يشعر بعقدة نقص لعدم إجادته العربية إجادة تامة: لا تقلقوا؛ فالعيب ليس فيكم، ولكنه في اللغة التي لم تشملها سنة التطوير. وأستطيع انطلاقا من هذا أن أبرئ ساحة ملايين العرب بل الأغلبية الساحقة من الشعب العربي من ذنب عدم تملك ناصية لغة الضاد بكل تعقيداتها.
ومن منطلق معرفتي بمستوى التعليم في فرنسا وغيرها من الدول الغربية، أستطيع أن أجزم بأن المستوى اللغوي لخريجي الجامعات المصرية من غير المتخصصين يوازي مستوى تلميذ في بداية المرحلة الإعدادية هناك في لغته الأم.
فهل يعكس هذا نبوغ تلاميذ العالم الغربي وتخلف طلاب العلم عندنا؟ بالتأكيد لا؛ فإن المستوى الذهني متقارب بين الاثنين، إنما المعضلة تكمن في اللغة العربية التي ترقى تعقيداتها إلى مرتبة اللوغاريتمات المنغلقة على عقول غير المتخصصين.
وفي فصول هذا الكتاب سنناقش بهدوء الأهمية الحيوية للغة في حياتنا، وهل هناك شيء اسمه لغة عالمية، كما سنناقش لماذا يتعذب ملايين التلاميذ والطلاب من أجل تعلم اللغة العربية بدلا من أن يركزوا طاقاتهم في تحصيل العلوم من خلال أداة لغوية سهلة طيعة، كما هو الحال بالنسبة لطلاب غالبية دول العالم الأخرى.
فعلينا، بعيدا عن النفاق، أن نعترف بأن طلبة المدارس يكرهون حصة اللغة العربية، وينعون همها أكثر من أي مادة تعليمية أخرى. فإلى متى نجعل أطفالنا وشبابنا يتجرعون عذاب القواعد المعقدة التي عفا عليها الزمن ولم تعد تواكب العصر؟
وتتعدى القضية تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات حيث يكاد لا يوجد شخص في العالم العربي لا يخطئ في اللغة، وحتى الذين يتباكون على اللغة ويتهكمون على أخطاء غيرهم غير قادرين على القراءة والكتابة دون خطأ، باستثناء بضع مئات معدودة من المتخصصين في العالم العربي كله.
وهذه اللغة العظيمة التي نزل بها إعجاز القرآن الكريم، والتي فتحت للعرب آفاقا رحبة للتطور الفكري والإبداع الفني أصبحت، مع مرور القرون، قيدا يكبل العقل العربي ويغل طاقتنا الخلاقة، فاللغة تحولت إلى إسار يخنق أفكارنا ويلجمها. وهي تسهم للأسف في حرماننا من الانطلاق إلى الآفاق الرحبة التي يفتحها العلم الحديث ووسائل المعيشة المواكبة للتطور العلمي. وباختصار فإن اللغة أصبحت سجنا يحبس العقل العربي بين جدرانه الحديدية بإرادته المستكينة.
فالعربية هي اللغة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تتغير قواعدها الأساسية منذ 1500 سنة كاملة. قد يرى البعض في ذلك رسوخا واستمرارية ودليلا على رصانة اللغة، لكني أرى فيه جمودا وتحجرا ينعكس سلبا على العقل العربي؛ فاللغة كما قلنا كائن حي، يولد وينمو ويتطور ويشب وينضج ثم يشيخ، وكثيرا ما يموت، ودورنا هو إعادة الشباب إلى لغتنا، وإجراء عمليات تجميل لإزالة التجاعيد التي تراكمت بعد قرون من الممارسة الناجحة، فالجمود في اللغة يؤدي حتما إلى جمود في العقل، والتحجر في اللغة يؤدي إلى تيبس الأذهان.
وفي الماضي كان النوابغ قادرين على معرفة اللغة والتراث والحديث والتعمق في الوقت ذاته في علوم مثل: الفلك، والكيمياء، والرياضيات. أما اليوم، ومع الاتساع اللامتناهي في المعارف، فإن الإنسان العربي يجد نفسه أمام خيار صعب: إما أن يكرس حياته لدراسة اللغة والتراث، أو أن يتخصص في فرع من فروع العلم والمعرفة الحديثة.
وفي الحالة الأولى، فإنه سيكون ضليعا ولا شك في العربية، لكنه سيكون شبه منقطع عن العالم ومحبوسا في دائرة مغلقة تجعله خارج حياة القرن الحادي والعشرين، وفي الحالة الثانية يكون مواكبا للتطور الحضاري الهائل في العالم أجمع، لكن معرفته بالعربية ستكون محدودة وسطحية إلى حد بعيد.
Página desconocida