فالمحب يخاف أن يغضب المحبوب؛ لأنه يجبه ويرجو نفعه، والعدو يخاف عدوه؛ لأنه يتقي الضرر منه، ويختلف الخوفان كما يختلف الحب والعداء.
والزوجة يعصمها أن ترهب سطوة زوجها ولا تمنعها الرهبة أن تحبه؛ لأنها تحبه قويا مرهوب السطوة، وليس معنى ذلك أن يبطش بها ويسيء إليها، وإنما معناه أن يحسب لغضبه ورضاه حساب. •••
تلك وجهات من النظر تتقابل بين السؤال والجواب، وكل سؤال فيه وجهة، فللسائل فيه هداية سبقت هداية المجيب.
الفصل الخامس عشر
سؤالان وجوابان
كتب إلي أديب بالبصرة يقول: «كنت أقرأ المقدمة التي صدر بها المستر ه. ج. ولز كتاب المستر فرانك سونرتن، فوقفت أمام قوله: إنه باعتباره كاتبا ينتمي إلى مدرسة، وباعتباره قارئا ينتمي إلى مدرسة أخرى، كما يتفق أن يشتغل الإنسان بالآلات البصرية، ثم يعنى بجمع الآنية الصينية القديمة ... وهو قول يحتمل التأييد والتفنيد على السواء، ولا ينحصر الاعتراف به في الكاتب الإنجليزي الأشهر وحده، بل يتعداه إلى أدباء كثيرين، ولكن هل تختلف عند الكاتب الواحد بوجه عام أهداف الكتابة وأهداف القراءة؟ وهل يصح مثلا أن يحيا عقله في دنيا تخالف كل المخالفة أو بعضها، تلك التي يحيا فيها بقلمه؟ وهل ثمة تعليل مقبول لهذا التباين الواضح بين دنيا العقل ودنيا القلم؟» •••
والذي نعتقده أن هذه الحالة معقولة لا غرابة فيها، وليس من وجه لاستغرابها إلا أن ترى أن الإنسان لن يقرأ إلا ليكتب، ولن يشتغل بموضوع إلا الذي يشتغل به قراؤه، وكلاهما مخالف للواقع المشاهد في كل مطلب وكل بيئة.
فمن الناس كثيرون يقرءون ولا يكتبون، وليس الكاتب يبدع بين القراء في مطالعاته، فيجوز إذن أن يقرأ في موضوعات لا ينوي الكتابة فيها، ولا يهمه أن يعقد التفاهم عليها بينه وبين قرائه.
كذلك يصح أن يشتغل الكاتب بشئون كثيرة لا يشتغل بها قراؤه ومريدوه، فربما كان من هؤلاء القراء من يتلقى عنه تجاربه الخاصة، التي يشرح فيها ما جرى له، ولا يشرح فيها مطالعاته ومعارض درسه، وربما كان منهم من يقرؤه لأنه حلقة بينه وبين جيل مضى من المؤلفين والكتاب، فيكون الكاتب حينئذ كالقنطرة الثقافية بين شاطئ وشاطئ مفترقين.
ومن المعهود بيننا أن الشاعر لا يقرأ الشعر دون غيره، وأن الفيلسوف لا يقرأ الفلسفة دون غيرها، وأن المصور قد يقرأ الروايات والروائي قد يجمع الصور ويدرس التصوير.
Página desconocida