وكل أولئك لا ضير منه على اللغة كما رأينا، بل هو مادة إنشاء وابتكار وتنويع.
والأستاذ الفاضل «أبو رية» يأخذ بالشيوع قاصدا أو غير قاصد حين يقول: «المعاجم»، وهي جمع معجم بضم الميم، والمعجمات هي الجمع الذي يرتضيه المتزمتون ولا يرتضون غيره. •••
إلا أنني هنا أنكر الإباحية العمياء كما أنكر التزمت الأعمى.
وعندي أنه لا يصح إلا ما أمكن أن ينطوي في قاعدة من القواعد المعروفة، أو أن يؤدي المعنى أداء لا يناقض العقل والقياس.
ومن أمثلة ذلك أنني كنت أشهد منذ أيام رواية «قيس ولبنى» للشاعر المجيد عزيز أباظة بك، فأعجبت بسلامة اللغة وصحة العبارة، ولكني لاحظت أنه استعمل كلمة «تضحية» بمعنى فداء أو خسارة، كما نستعملها نحن الآن.
والتضحية عند العرب هي ذبح الشاة أو غيرها في وقت الضحى.
ثم أخذت معنى الفداء أو القربان؛ لأن الناس ينحرون ذبائحهم في الضحى يوم عيد النحر الذي عرف من أجل ذلك بعيد الضحية.
فإذا كنا نحن المتكلمين - ونعني أبناء العصر الحاضر - فلا ضير من تضمين الكلمة هذا المعنى بعد أن أخذته باستعارة معقولة، وكسبته بالاستعمال المتفق عليه بيننا.
ولكننا إذا جعلنا العرب في عصر «قيس ولبنى» يستعيرون هذا المعنى، وهم لم يستعيروه، فذلك خطأ في التاريخ وليس بخطأ في اللغة وكفى.
والاعتراف ب «التطور» في المعاني والاستعارات لا يقتضي أن نخالف الحقيقة التاريخية.
Página desconocida