أنا ذهبت إلى باريس بالخيال فأخذت إليها صاحبي بالخيال، والدكتور طه ذهب إلى باريس حسا وخيالا، فأبى على صاحبه المزاملة وهتف به ... إلى اللقاء!
وما أردت - علم الله - أن أوغر صدر الشيخ على صديقنا الدكتور، أو أن أظفر بنصيب من الحظوة عنده فوق نصيبه، ولكنني أحببت الحديث عن الشيخ ولم أحبب أن يكون تكريرا وإعادة تبطل بها متعة الحديث، فليكن خلاف وكان خلاف! وإنما اتفاق في حب التحدث عن صاحبنا المحبوب.
الفصل الثالث
العلم أو الأدب؟!
سألني أديب عن رأيي في خسارة العالم بفقد أديسون وماركوني، وخسارته بفقد شكسبير وبرناردشو.
ورأيي فيما هو الأسبق: «العلم أو الأدب؟!» وهل خلق الإنسان بطبيعته عالما يتجه فكره إلى تهيئة أسباب معيشته، أو خلق بطبيعته أديبا يميل إلى الشعر والفنون؟
وما الرأي في كلمة الأستاذ أحمد الصاوي المنشورة في الأهرام يوم 17 يونيو، التي يناشد الشباب المصري فيها أن يهجر الأدب والشعر، وينصرف إلى العلم والاختراع ليكون رجلا عمليا عاملا؟ وختمها بقوله: «... اسكتي إذن يا آلهة الشعر لقد ذهبت أوانك وتلاشى سلطانك، وأخرجي أيتها الأرض شبابا واقعيا قويا يفل الحديد بالحديد، والنار بالنار لا بالقصائد والأشعار.» •••
وقد رجعت إلى أعداد «الأهرام» منذ السابع عشر من شهر يونيو، فقرأت فيها حوار الأستاذين الصاوي والحكيم عن الشعر والسلاح، وتتبعت ذلك الحوار إلى أن بلغت به «مربط حمار الحكيم» و«فيران السفينة»؛ وانتهيت منه وأنا أقول: الحق على أساتذة الإنشاء منذ نيف وأربعين سنة في الديار المصرية ... فلولا موضوعات المقابلة بين الصيف والشتاء، وبين الذهب والحديد، وبين العلم والمال، وبين العلم والأدب، لما وقع في الأذهان ذلك الخاطر الذي نعود إليه في مصر فترة بعد فترة؛ لنقضي للعلوم على الفنون، أو للفنون على العلوم، أو لنوحي بهذه دون تلك في تثقيف الأمة وتعليم الشباب.
فما معنى هذه المقابلة؟
هل النفس الإنسانية صهريج من المعدن يزيد فيه من العلم بمقدار ما ينقص من الأدب؟ هل العلم والأدب ضرتان تلقى إحداهما من الحظوة والزلفى بمقدار ما تلقى صاحبتها من الهجر والإعراض؟ هل الجمع بين العلم والأدب في الأمة الواحدة مستعص أو مستحيل؟
Página desconocida