جب إلا من راغب في ازدياد
يؤخذ منها ما لا يؤخذ مما تسمعه في كل حين بين عامة الناس من شكوى الحياة، وتمني الخلاص منها؛ لأننا نثق بأن المعري مارس الأمور الجوهرية في الحياة ودرس الشئون التي تكون منها عذبة أو مرة، نكدا أو رغدا، ولم يسبر منها أولئك العامة إلا ما يقع لهم من الأمور التي لا تكفي للحكم على ماهية الحياة.
فكلانا إذن يسمع القول من شيخ المعرة فيعجبه، ويسمع القول في نفسه من غير الشيخ فلا يحظى عنده بذلك الإعجاب، لكن صديقنا الدكتور يسميها محاباة ومجاملة لصديق، وأنا أجري فيها على سنتي الغالبة في كل شيء من التوفيق بين الحجة والعاطفة، فلا أبرح بالعاطفة حتى أقنع بها عقلي، وأثبت له أنها جديرة بإقراره وترخيصه، فيعيش العقل والعاطفة معا في وئام، وأخلص بهذا مما يقع بينهما من ملام وصدام.
وشيء آخر أخالف به الدكتور، أو تخالف فيه طريقتي طريقته في صداقة أبي العلاء.
فأنا لا أذكر أنني كرهت أحدا أحبه أبو العلاء، أو أحببت أحدا كان هو من كارهيه.
أما الدكتور فيعلم ما كان في نفس صاحبه من الحب والإكبار لأبي الطيب، ثم يقول: «أنا أقدر فن المتنبي وأعجب ببعض آثاره إعجابا لا حد له، وأعجب ببعضها الآخر إعجابا متواضعا إن صح أن يتواضع الإعجاب، وأمقت سائرها مقتا شديدا، ولا تثير حياة المتنبي في نفسي إشفاقا عليه ولا رثاء له، وإنما هو مغامر طلب ما لم يخلق له، وتعرض لما كان يحسن أن يعرض عنه، فانتهى إلى ما ينتهي إليه أمثاله المغامرون.»
ترى ماذا كان المعري قائلا للدكتور لو سمع منه هذا المقال؟ أخشى أن تكون وقيعة بين الصاحبين ... وإن كنت لا أخشى أن يعود الشيخ إلى استحسان قصيدة أبي الحسين التي مطلعها:
لك يا منازل في القلوب منازل
أقفرت أنت وهن منك أواهل
لأن الشيخ يعلم أن الدكتور لا يكره أبا الحسين كراهة الناقص للكامل، ويستشفع له بشفيع من طيب النية وصدق الولاء.
Página desconocida