وجوابي للأديب أن حاجتنا الكبرى إنما هي أن نعلم كيف نريد، لا أن نعلم كيف نعمل، فإذا أردنا عملنا؛ وكل مريد عامل وعارف بوسيلته إلى إنجاز مراده.
مضى زمن والناس يتحدثون عن الإرادة والعمل كأنهما قدرتان مفصولتان، وعن العاطفة والفكر كأنهما شيئان لا يتلاقيان، وعن الخيال وفهم الواقع كأنهما ملكتان نقيضتان، إلى آخر ما يفرقون ويقابلون بين ملكات الطبائع وخصائص الأذهان، وهذا خطأ في تصوير الحقائق يتبعه لا محالة خطأ في تصوير العلاج والإصلاح.
ليست الإرادة والعمل ولا غيرهما من الملكات والطبائع خطين متلاحقين يبدأ أحدهما عند نهاية الآخر، أو جسمين متحيزين لا يجتمعان في مكان واحد، وإنما هما مظهران من قوة النفس يصدران عن معين لا يتجزأ، ولا ينفصل بالحدود والمعالم، فإذا امتلأت النفس بالقدرة على الإرادة فقد امتلأت بالقدرة على العمل في وقت واحد وفي صورة واحدة؛ ولن يفشل الفاشل في عمله - وقد تهيأت للعمل أسبابه - إلا لأنه ناقص الإرادة.
أرأيت إلى الناس وهو يطلبون السيادة، ولا يبلغها منهم إلا قليل؟ ما بال قوم منهم يبلغونها وأقوام ينكلون عنها خاسئين؟
إنما يبلغها من بلغ؛ لأنه أرادها ولم يرد غيرها، فهو سيد وإن تراخى الزمن دون الإقرار له بالسيادة؛ وهو سيد لأنه لن يكون عبدا، وإن أخطأته الذرائع إلى حين.
أما الذي يبغي أن يسود، ولا يأبى أن يكون عبدا فأين هو من إرادة السيادة؟
وأما الذي يبغي أن يسود ولا يختلف عنده مقام السيد الرفيع ومقام العبد الذليل، فأين هو من إرادة السيادة؟
وأما الذي يبغي أن يسود ويحسب أن الناس يسودونه قبل أن يسود عليهم، فأين هو من إرادة السيادة؟
قل: إنه يتمنى أن يسود، أو قل: إنه يحلم بأن يسود، أو قل: إنه لا يكره أن يسود، فأما أنه يريد فمعاذ الإرادة أن تجتمع ونقيضها في عزيمة واحدة، ومعاذ الإرادة أن تجتمع ولا يتبعها عمل ولا يتبع العمل نجاح.
لماذا لا نعمل؟ لأننا لا نريد! ولماذا لا نريد؟ لأن زادنا من الحس والوعي والخيال قليل.
Página desconocida