فالرحيم عنده ما يكفيه ويزيد على كفايته حتى يكفي غيره، ويتناوله بالعناية والحماية!
والقاسي عنده من القوة ما يغلب به الضعيف، فهو في الدرجة التالية من الضعف ليس دونه في مراتب القوة إلا فاقد القوة والعاجز عن كبحها.
وهذا بلا ريب غير قسوة الرحمة التي يقول فيها حكيم الشعر العربي:
وقسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحيانا على من يرحم
فالرحيم الذي يقسو هنا لينفع بقسوته من لا تنفعهم رحمته، إنما هو أرحم وأقدر على الرحمة؛ لأن رحمته لا تغلبه ولا تقوده غير واع ولا متدبر، حتى يصنع باسم الرحمة ما هو نقيضها، أو ما هو قسوة معيبة فيما تنتهي إليه من الإيذاء.
وكفى بالرحمة أنها فتح إنساني في عالم الحياة، ترقى إليها الإنسان وحده بين المخلوقات الحية، وشابهته فيها بمقدار ما صعدت بهم الطبيعة في مرتقاه.
الفصل الثاني والعشرون
السعادة
«أرسل إلي أحد الأدباء مقالا عن السعادة، وسألني أن أروي ظمأه وأرشده إلى الحق إن كان قد حاد عن سبيله.» •••
Página desconocida