Existencialismo: Una Muy Breve Introducción
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
على الرغم من أن ياسبرز أطلق على فكره اسم «فلسفة الوجود»، يبدو أن جابرييل مارسيل هو من ابتكر مصطلح «الوجودي» ووصف به سارتر. أما تسميته المفضلة لأعماله الخاصة، فهي «السقراطية الحديثة». مثل سقراط، كان مارسيل ناقدا صريحا للمجتمع المعاصر. ومثله، هو مدافع شجاع عن الحق في مواجهة إرادة القوة، أو في هذا السياق، إرادة الحق التي انتقدها نيتشه باعتبارها صورة غير معترف بها من إرادة القوة.
في كتاب نشر عام 1951، يلخص عنوانه نقدا اجتماعيا وجوديا، «الإنسان في مواجهة المجتمع الجماهيري»، يتجاوز مارسيل الازدراء الرومانتيكي الحديث للمجتمع الصناعي وورثته المصطنعين، الذين يرتبط الوجوديون بهم عموما، ليتحدث عن الموضوعات الوجودية النموذجية المتعلقة بالحرية، وخصوصية الإنسان، وأزمة القيم، والصدق الأخلاقي. لكن على يد مارسيل، يأخذ كل موضوع من هذه الموضوعات طابعا اجتماعيا منفتحا يقوم على نقد الاستبداد من جانب والمادية من جانب آخر. وفكرته الأساسية هي الصراع بلا هوادة ضد ما سماه «روح التجريد». تتجسد هذه الروح بالضرورة - مثلا - في إعلاننا الحرب واستمرارنا فيها. فسواء كانت مسألة مهاجمة العدو الموصوفة عادة بصفات مهينة، أو إطلاق صواريخ لا يشهد المرء تبعاتها البشرية، فإن المرء يجتنب التجربة الأليمة للواقع الملموس الناتج عن تصرفاته. تتضح هذه النقطة بقوة في الفيلم الرافض للعنف «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية»، حيث يتجسد تجريد قتال العدو في مواجهة الواقع الملموس لحرب الخنادق خلال الحرب العالمية الأولى. يعتبر نقد مارسيل لروح التجريد استمرارا لبحثه عن فلسفة ملموسة حازت على اهتمام العديد من الفلاسفة وأرشدت سارتر إلى الفينومينولوجية في ثلاثينيات القرن العشرين.
من منظور سياسي، يجد مارسيل روح التجريد متجسدة في تعصب من يسميهم ب «الجماهير». وكما يشرح، فإن الموقف السياسي الحالي يجعل أعدادا كبيرة من الناس في حالة هوان واغتراب؛ فهم يفتقرون إلى حس تقدير الذات ويشعرون بالاغتراب عن أنفسهم وبعضهم عن بعض. والنتيجة هي أن الجماهير تميل حتما إلى التعصب، والدعاية في هذه الحالة لها نفس التأثير التشنجي الناتج عن الصدمة الكهربائية التي يتعرض لها الإنسان. ويدعي مارسيل أن الفيلسوف يجب أن يعمل للوصول إلى نظام اجتماعي يحرر أكبر عدد ممكن من الناس من هذا الوضع التكتلي.
يعرض مارسيل بعد ذلك وصفا فينومينولوجيا للضمير «المتعصب». فالمجتمع الجماهيري هو نسخة مارسيل من «قطيع» نيتشه. يمكن تدريب أفراده، لكن لا يمكن تثقيفهم. ومع هذا، فعلى عكس نيتشه، يحث مارسيل عن اتخاذ خطوات اجتماعية وسياسية «لإخراج» هذه الكائنات من حالة الهوان والاغتراب. يتسم حله بأنه «شيوعي» أكثر منه «ليبراليا» حسب المصطلحات السائدة اليوم، بمعنى أنه يميل إلى مصلحة الجماعات الوسيطة مثل نظام النقابات المهنية القديم لتخفيف وضبط الميول الاستبدادية للدولة. المصطلح الأكثر أهمية هو «التشارك» الذي، حسب تعريفه، يدل على احترام متبادل بين أعضاء مجموعة ما يتشاركون الهموم والاهتمامات. وهذا لا يختلف عما كان يسميه سارتر في نفس الوقت تقريبا ب «المؤاخاة».
أساس هذا التحرر هو الانتقال من التفكير المجرد إلى الملموس. فالبشر بالأساس يوجدون في موقف من نوع أو آخر، لكن هذا ما تميل الفلسفة الإنسانية التجريدية إلى تجاهله. هذا ما كان يقوله سارتر في محاضرته عن الفلسفة الإنسانية؛ فهو يصر على أننا لو أردنا أن نسعى إلى الحرية سعيا ملموسا بدلا من أن نحلم بها وحسب بصورة تجريدية، فيجب أن نتناول موقف الآخرين الاغترابي. لا يمكن أن نكون أحرارا إلى أن يتحرروا هم أيضا. كانت هذه حجته في محاضرة «هل الوجودية فلسفة إنسانية؟» لكن مثلما قال سارتر عن المعادين للسامية، لا يمكننا أن نتخذ فعلا مباشرا تجاه حرية الآخرين؛ يجب أن نتعامل مع وضعهم، يجب أن نغير «أسس وهياكل» اختيارهم. يتفق مارسيل مع سارتر في أن هذه الأسس والهياكل لا يمكن أن تكون اقتصادية وحسب أو مادية بالضرورة. لكنه ينضم إلى ياسبرز في إصراره على أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في قدرته على تجاوز وضعه والاتجاه نحو الانفتاح على التسامي. تساعد رعاية هذا الانفتاح في كبح الميول الاستبدادية للدولة الحديثة وتفسح المجال لدوجماتية النظم الأخلاقية. (4) رأي سارتر وكامو في الحرب الجزائرية
يدعي سارتر أن تجربته في التجنيد الإلزامي في الحرب العالمية الثانية أخرجته من فرديته وقادته إلى اكتشاف المجتمع. يتذكر ميرلوبونتي دهشته من غياب سارتر عن الساحة السياسية والتاريخية خلال السنوات التي سبقت الحرب. وفي الأيام الأولى التي أعقبت تحرير فرنسا دخل سارتر عالم السياسة. أولا في السياسة غير الشيوعية للتيار اليساري، لكن مع تأزم الحرب الباردة، شارك الهموم السياسية والاجتماعية لنقاده السابقين، وهم الحزب الشيوعي الفرنسي. ومع أنه لم ينضم أبدا للحزب، فقد نشأت علاقة حب وكراهية بينه وبين الحزب الشيوعي الفرنسي حتى الثورة المجرية (1956) عندما بدأت هذه العلاقة تضعف، ثم انتهت هذه العلاقة الإيجابية تماما مع الاحتلال السوفييتي لبراغ (1962).
كان سارتر في صميمه متمردا سياسيا (أو ما سماه الفرنسيون «اشتراكيا تحرريا») من حيث إنه رأى بأن كل العلاقات يجب أن تكون طوعية ومتساوية. وقد وصف السلطة بأنها «الآخر في داخلنا» وكان يشكك في جميع صورها. لكنه كان أيضا أخلاقيا، بمعنى أن مشاركاته السياسية كانت تحمل دائما بعدا أخلاقيا. وقد قال ميرلوبونتي ذات مرة إنك إذا فرقت بين الأفعال القمعية والهياكل اللاشخصية للاستغلال، فإن سارتر كان يركز دوما على الفعل أكثر من البعد الهيكلي للمشكلة التي يجري تناولها. هنا تكمن المسئولية الأخلاقية. لا يعني هذا أنه تجاهل ما سماه الفيلسوف لوي ألتوسير «السببية الهيكلية»؛ فهو لم يفعل ذلك. لكنه يصر على أن هذه الهياكل الاجتماعية كانت ترسبات لأفعال سابقة وتبقيها الأفعال الحالية؛ لهذا عندما يصف - مثلا - الاستعمار باعتباره «نظاما»، ويقول إن «الدناءة موجودة في النظام»، فإنه يعني أنها هيكل استغلالي يتطلب ويحيا على الممارسات القمعية. بعبارة أخرى: «الدناءة» ليست في النظام كلية. مبدئيا، يجب أن يكون المرء قادرا على اكتشاف الأطراف المسئولة، أي أن يحدد أسماءهم. هذا افتراض وجودي أساسي.
كان «تحديد الأسماء» فيما يتعلق باشتراك فرنسا في قمع الثورة الجزائرية هو ما جعل سارتر يعارض صديقه ألبير كامو. فبما أن كامو ولد في الجزائر لأب فرنسي وأم إسبانية، فقد كان عضوا نشطا في حركة المقاومة خلال الاحتلال النازي. وبصفته محررا في جريدتها السرية «المعركة »، كان مطلوبا من البوليس السري النازي. ونظرا لتلقيه تدريبا متواضعا في الفلسفة، كان بصفة أساسية صحفيا وممثلا. أدى نقد سارتر المتحمس لروايته الأولى «الدخيل» إلى مقابلتهما وصداقتهما أخيرا. وفي واقع الأمر، عرض عليه سارتر دور البطولة في مسرحية «لا مخرج»، الذي فكر فيه كامو لكنه رفضه لاضطراره إلى الاختباء من الاحتلال.
على الرغم من أن كامو كتب مقالات يؤيد بها الشعب العربي في الجزائر، وكان هذا أحد أسباب حاجته إلى الانتقال للحاضرة الفرنسية، فقد فكر أنه يجب عدم حرمان العرب من مزايا المواطنة الفرنسية، مثل منظومتها التعليمية التي مكنت شابا فقيرا مثله من الهروب من الفقر. ورأى الثورة تعبيرا عن توسع القومية العربية بقيادة مصر. بين طرفي النقيض المتمثلين في إبقاء الوضع الراهن أو الثورة الكاملة، نصح كامو بنوع من الفيدرالية. بعبارة أخرى: نصح مؤلف «المتمرد» بحل وسط. أيد سارتر - الذي نادرا ما كان يميل إلى التوسط أو الحلول الوسط، لا سيما في السياسة - الثورة بشدة، حتى إن الجماعات المناهضة للتغيير فجرت قنابل عند مدخل مبناه السكني في مناسبتين مختلفتين. ومع اتجاه سارتر إلى ما سماه لاحقا بفترة «الواقعية اللاأخلاقية»، دعما للثورة حيثما اعتبرها ضرورية، اتجه كامو أكثر فأكثر إلى الجانب الأخلاقي للحراك الاجتماعي والسياسي، معارضا عقوبة الإعدام ومروجا لنوع من رفض العنف قبيل موته المفاجئ في سن السابعة والأربعين.
شكل 5-1: ألبير كامو، والجريدة، والمدينة.
Página desconocida