Existencialismo: Una Muy Breve Introducción
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
بالتأكيد لم يقترح كيركجارد أن ينبذ المرء الأخلاق. في واقع الأمر، لقد أشار إلى تصرف إبراهيم على أنه «تعطيل غائي للأخلاق»، وليس تخليا عنها. فالدائرة الأخلاقية توقفت من أجل هدف أو «غاية» أسمى؛ ألا وهي طاعة أمر إلهي. وعندما يهبط إبراهيم من الجبل الذي كان سيشهد التضحية (ثبت ملاك يده، في إشارة إلى أن إبراهيم قد اجتاز اختبار الإيمان غير المشروط بالله)، يعود إلى الدائرة الأخلاقية، لكن على نحو مختلف. فهو يعرف الآن أنها قابلة للاستثناءات وأن ملاحظته لمبادئها وقواعدها قائمة على ولاء أسمى. في التحليل الأخير - كما يلخص كيركجارد - يفوق الفرد العالم. لم تعد القواعد الأخلاقية المعيارية مطلقة من حيث مطالبتها الجميع باتباعها دائما.
يثير هذا موضوع العلاقة بين هذه الدوائر ووحدة الحياة. فعند حديث القاضي عن «إهدار» الحياة في الدائرة الجمالية - بمعنى تجزئتها وتشتتها - فإنه يحذر محب الجمال الشاب قائلا: «[في وضعك الحالي] أنت عاجز عن الحب؛ لأن الحب يتطلب التضحية بالذات، وأنت لا تملك ذاتا لتضحي بها.» وهو يشير إلى تكامل الدوائر الثلاث: «إذا لم تستطع أن تصل إلى مرحلة رؤية الجمالي والأخلاقي والديني كحلفاء ثلاثة كبار، وإذا لم تعرف كيف تحافظ على وحدة المظاهر المتنوعة التي يتلبسها كل شيء في هذه الدوائر المتنوعة، فالحياة إذن خاوية من المعنى؛ وعلى المرء إذن أن يسلم بأنك محق في استمرارك في الاقتناع بنظريتك المفضلة القائلة إن المرء يستطيع أن يقول عن أي شيء ، «سواء فعلتها أم لم تفعلها، فستندم في كلتا الحالتين».» يبدو أن البديل لهذا الاستنتاج - في حالة محب الجمال هذا على الأقل - سيكون الشك و/أو العدمية.
شكل 2-2: إبراهيم على وشك التضحية بابنه.
2
لم يكن تفسير كيركجارد لهذه المراحل أو الدوائر متسقا كلية؛ فمن ناحية، كان يشدد على «إما/أو» التي تنقل المرء من حالة إلى أخرى. من الواضح أن القرار المتفرد يشكل أساس كل نقلة. ويبدو أنه لا توجد عودة سهلة إلى الدائرة السابقة بعد أن تحدث القفزة. فبمجرد اختيار ممارسة اللعبة الأخلاقية - كما هي - لا يستطيع المرء إعادة التفكير والعودة إلى الجمالي المحض دون شروط. لقد خسرت براءتك، بالمعنى الحرفي للكلمة، وتستطيع الآن مواصلة سلوكك الساعي وراء اللذة كشخص فاسد فقط. من منطلق مماثل، سيبدو أن الفرد المنعزل الذي قام بالقفزة الإيمانية لا يستطيع الارتداد إلى الجمالي المحض أو حتى إلى الأخلاقي الصرف (كما لو أن التجربة لم تقع) دون تحمل عقوبة «الخطيئة»، وهو تصنيف ديني تماما، مع أن كيركجارد خلط أحيانا بينها وبين الرذيلة الأخلاقية. ومع هذا، فكما لاحظنا للتو، يوحي الهدف من رؤية هذه الدوائر باعتبارها «ثلاثة حلفاء كبار» إما بأنها «استنتاج» هيجلي (عودة المكبوت) أو «تداخل» يتناغم مع صورة الدائرة أكثر من تناغمه مع صورة المرحلة. في كلتا الحالتين، تعتبر الفكرة الموجهة «للاختيار» المتفرد مهددة تهديدا جادا. ما لا يمكن إنكاره أن إحدى مزايا هذا التواصل غير المباشر، مثل استخدام كيركجارد للأسماء المستعارة (أو استخدام نيتشه للحكايات الرمزية، أو حتى استخدام أفلاطون للحوارات) هي أن المرء ليس مضطرا إلى تحقيق الاتساق بين هذه الأصوات. وكما سنرى، يقدر الوجوديون الغموض. لكننا نكرر بأنهم ليسوا غير عقلانيين، وإنما يهدفون بقدر الإمكان إلى فهم العالم الذي تصادف وجودنا فيه. (2) الحرية لكن ليس للجميع: نيتشه
الوجودية فلسفة عن الحرية، حتى لو لم يوافق هؤلاء المفكرون على المعنى الدقيق لهذا المصطلح الأساسي. اشتهر نيتشه - مثلا - بإنكاره لفكرة الإرادة الحرة والاختيار الأخلاقي الذي يستتبعها. وقد حوله مشروعه عن إعادة الإنسان إلى الأرض وبعيدا عن أوهامه حول المتسامي والخالد، نحو البعد البيولوجي للوجود الإنساني، وغرائزه ودوافعه اللاعقلانية: ما سماه ب «إرادة القوة»، التي على الرغم من اقترانها الشائع بالاختيار والسيطرة، فإنها في الواقع إجابة للسؤال الميتافيزيقي «ما الموجود، في جوهره؟» وهذا على الرغم من كرهه للميتافيزيقا. في سياقها الواسع، فإن إرادة القوة هي القوة التي تحرك العالم؛ من الناحية البيولوجية، هي زخم الحياة الذي لا يمكن مقاومته ويحرك المحيط الحيوي. ومن الناحية النفسية، هي الدافع للهيمنة والسيطرة. و«أسمى» تعبير لها هو التحكم في النفس الذي تمارسه الأرواح الحرة التي يخصص لها نيتشه فضيلة «أسمى» من الأخلاقيات الدينية للقطيع. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل هار «الطبيعة ككل هي إرادة القوة»، وهي تعبر عن نفسها في كل بعد وجودي. لهذا السبب صنف الفيلسوف بول ريكور نيتشه من بين «زعماء الشك»، إلى جانب ماركس وفرويد؛ حيث يلقي كل مفكر منهم بظلال من الشك على تقديراتنا الظاهرية حول سبب قيامنا بما نقوم به. يكمن السبب الحقيقي لسلوكنا - حسبما يدعون - في شيء آخر. في حالة نيتشه، هذا المصدر المطلق هو إرادة القوة. وكما سيقول فوكو لاحقا على نسق نيتشه، فإن الجهود السامية للإصلاح العقابي في مطلع القرن التاسع عشر - مثلا - كانت في أساسها تعبيرا عن الرغبة في مزيد من السيطرة الفعالة على الآخرين.
شكل 2-3: نظرة نيتشه العميقة.
3
أي مكان - إذن - في هذا العالم تتاح فيه الحرية الإبداعية بالمعنى الوجودي؟ ما أساس المسئولية التي نشعر بها في داخلنا وننسبها إلى الآخرين؟ هذه هي المشكلة السرمدية للحرية في مقابل الجبرية، لكن بعد إضفاء الصبغة الدرامية المتناسبة مع التفسير الوجودي. في عالم لكل حدث فيه سبب وكل سبب ملزم (كلا الادعائين مفتوح للتفنيد)، لا يبدو أن هناك مكانا باقيا «للبدايات المطلقة» التي ينادي بها الفهم الشائع للحرية الوجودية. فلكل حدث سابقة (سواء طبيعية أو ثقافية حسب نوع الجبرية الذي يقترحه المرء) وكل سبب ملزم. في الحقيقة، تحت هذا التوصيف، لم يكن لأحد أن يتصرف على نحو غير الذي تصرف به .
يصر نيتشه على أن «خطأ» الإرادة الحرة هو الاعتقاد بأن الاختيار - وليس القوى الفسيولوجية والثقافية - هو أساس أحكامنا بالاستحسان أو الرفض الأخلاقي. وهو يعلق، مظهرا ولعه بالتفسيرات النفسية أكثر من الوجودية، قائلا: «تقوم الأفعال الشريرة التي نمتعض منها كثيرا على خطأ الافتراض بأن من يرتكبها في حقنا يمتلك الإرادة الحرة، أي إنه كان بوسعه «اختيار» ألا يسبب لنا الأذى.» لو كان نيتشه محقا، فسيستتبع ذلك ألا تكون هناك حدود لتسامحنا؛ لأنك «عندما تفهم كل شيء تسامح على كل شيء»، وذلك على حد قول روائية الحقبة الرومانسية الفرنسية مدام دي ستايل. على الرغم من أن هذه قد تكون حكمة إسبينوزا ونصيره الألماني، فإنها نادرا ما تكون المنطق السليم للقطيع.
Página desconocida