Existencialismo Religioso: Estudio en la Filosofía de Paul Tillich
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Géneros
كل هذا يبرر الحكم بأن الوجودية نزعة جانحة، خصوصا وأنها لا تزدهر إلا حين الاضطراب والانهيار وانعدام الشعور بالأمن؛ والمجتمعات المستقرة نسبيا - كما هو معروف، وكما يؤكد تيليش نفسه - لا تصغي للوجودية. •••
وبنظرة عميقة، نلاحظ أن هذه المآخذ الشهيرة على الوجودية تنداح كما تنداح دوائر بلجة ماء ألقي فيه بالحجر، فقط لو كانت لاهوتية أو حتى مؤمنة؛ أي حين يختار القرار الإيمان بالدين والألوهية لقهر العدم والتناهي والإثم والاغتراب ... ولتحقيق الوجود الأصيل، بكل ما يتضمنه هذا القرار من التزام وتعهد وولاء، وبهذا نعود إلى حيث بدأنا إلى الوجودية الدينية كمدخل لعالم باول تيليش.
وقبل الدخول إلى هذا العالم - وأي عالم - ينبغي أن نكون على حذر من أكذوبة تصنيفية تجعلنا ننظم الفلاسفة في صفوف أشبه بالجزر المنعزلة، ولعلها أشبه بطوابير الألعاب الرياضية، كل صف أو طابور يحمل بطاقة معينة، هذا مثالي ... وذاك تجريبي ... والآخر وجودي ... إلخ.
هذا الأسلوب الإجرائي التبسيطي لو أخذناه كقاعدة جامعة مانعة، كان ضلالة ضالة ومضللة، وأبعد ما تكون عن زخم الواقع الفلسفي الحي المتدفق المتلاحق بفعالية، وأحيانا بعنف، يرفض ويقبل ويطور ويصوب وينقد ويتراجع ويتقدم ... ولا يوجد فيلسوف ذو اعتبار؛ مصطلح فلسفي واحد كفيل بتحديد فلسفته من رأسها حتى أخمص قدميها. وانتماء الفيلسوف لاتجاه معين أو حتى لمدرسة معينة لا يعني أن كل ما سواها حرام عليه، ولا يعني أنه لزاما عليه أن يطبق تعاليمها حرفيا، فلا تفوته منها صغيرة ولا كبيرة، إن هذا ينطبق على المنتمين لأشد الاتجاهات الفلسفية إحكاما ورصانة منطقية ودقة في الأسس المنهجية، فما بالنا بالاتجاه الذي هو على النقيض من الإحكام والرصانة المنطقية - أي بالفلسفة الوجودية.
لقد حددنا بدقة - قصارى ما استطعنا - ماهية الاتجاه الوجودي بكل أبعاده وآفاقه؛ كي نكون على بينة من الحدود، ولكن ليس يعني هذا أن فلسفة الفيلسوف لا بد أن تكون، أو حتى يمكن أن تكون صورة طبق الأصل من هذا لكي يكون وجوديا؛ كلا بالطبع، يكفي الاشتراك في المنطلقات المبدئية، أو الدوران حول المحاور الأساسية؛ يكفي أيضا اقتفاء خطى أعظم الرواد كيركجور أو هيدجر أو سارتر. إن الوجودية ككل تيار فلسفي رئيسي، تضوي تحت لوائها وتسم بميسمها مدارس فلسفية كثيرة - وبعضها قامت لتستقل عنها فكانت بصورة معدلة أو مصغرة لها - كالشخصانية (ماريتان، بيرديائيف)، فلسفة الحياة (أونامونو)، فلسفة القوة والحياة أيضا (نيتشه)، فلسفة الوجود الشخصي (جاسيت وبولجاكوف) ... والملامح الوجودية الواضحة تجعلهم وجوديين شاءوا أم أبوا؛ وكل الفلاسفة الوجوديين - من ذكرناهم ومن لم نذكرهم - هم وجوديون فقط، بدرجات متفاوتة طبعا؛ أي لن يتحقق المفهوم الكامل الذي رأيناه مع أي منهم، وإن كانت أعلى درجة تسجل لكيركجور وهيدجر وسارتر؛ وهيدجر هو أقدر من استطاع أن يفلسف الوجودية، وأعمق روادها فكرا وأبعدهم تأثيرا، ومع هذا يرفض أن يسمي نفسه فيلسوفا وجوديا، ويفضل لقب فيلسوف وجود!
الخلاصة أن الوجودية كأي اتجاه فلسفي خصيب وثري، لا هي كفيلة بتحديد فلسفة الفيلسوف، ولا يوجد فيلسوف فلسفته بمفردها كفيلة بتحديدها.
إذن ليست الوجودية مصطلحا مرادفة لفلسفة باول تيليش المتعددة الأبعاد والمترامية الحدود؛ يقول تيليش موضحا موقفه - وهو قول يصلح قاعدة عامة مجدية جدا لمناهج البحث الفلسفي: «كثيرا ما يوجه إلي السؤال هل أنا لاهوتي وجودي؟ وإجابتي دائما مقتضبة، فأقول: إنني النصف والنصف
fifty-fifty ، وهذا يعني أن الوجودية والماهوية
Essentialism
بالنسبة لي ينتميان لبعضهما، ومن المستحيل أن يكون المرء ماهويا خالصا إذا كان في الموقف الإنساني بصفته الشخصية، وليس يجلس على عرش الله، كما نفهم ضمنا من هيجل وهو ينشئ تاريخ العالم الآتي لنهايته تبعا لمبدأ في فلسفته. تلك هي الغطرسة الميتافيزيقية للماهوية الخالصة؛ ومن الناحية الأخرى الوجودية الخالصة مستحيلة، فكي يصف الإنسان الوجود لا بد أن يستخدم اللغة؛ واللغة تتعامل مع الكليات، وباستعمال الكليات تكون اللغة بصميم طبيعتها ماهوية، ولا يمكنها التملص من هذا.»
Página desconocida