Women Between Islamic Law and Civil Code
المرأة بين الفقه والقانون
Editorial
دار الوراق للنشر والتوزيع
Número de edición
السابعة
Año de publicación
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
الناشر
المرأة بين الفقه والقانون
الدكتور مصطفى السباعي
المكتب الاسلامي
بيروت: ص. ب ٣٧٧١/ ١١ - هاتف ٤٥٠٦٣٨
دمشق: ص. ب ٨٠٠ - هاتف ١١١٦٣٧
1 / 2
الإهداء
المرأة بين الفقه والقانون
الدكتور مصطفى السباعي
بسم الله الرحمن الرحيم
قضية المرأة هي قضية كل
أب وكل ابن. وما دام في الدنيا
آباء وأبناء ففي الدنيا احترام
عميق لكرامة النساء. والذين
لا يفرقون بين الكرامة والابتذال
هُم غارقون في الأوهام والأوحال.
من كتاب
هكذا علمتني الحياة
للمؤلف
1 / 5
الاهداء
الى المرأة المسلمة التي رباها الاسلام
وكانت خير زوجة وخير أم.
الى الفتيات المؤمنات اللاتي يُقاومن
اغراء الحضارة وفتنتها.
الى أمي التي ربتني فأحسنت تربيتي،
ورعتني فأحسنت رعايتي.
الى أمي التي هي مثل كثير من أمهات
الجيل الماضي استقامة وعفة واخلاصًا
للزوج، وتفرغًا لحياة البيت فتفانين
في تربيتنا وتهذيبنا، وغرس المثل
العُليا في نفوسنا كأطفال، وشجعننا على
المُضي في طريقنا ودعوتنا كرجال.
الى هؤلاء جميعًا أقدم هذا الكتاب
مصطفى السباعي
1 / 6
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الغر الميامين، ومن تبع هداهم الى يوم الدين.
وبعد فهذا الكتاب هو في أصله محاضرة ألقيتها على مدرج جامعة دمشق في الموسم الثقافي لعام ١٩٦١ - ١٩٦٢ وقد استغرق إلقاء المحاضرة ساعتين أو أكثر، وكنت أتعرض لبعض الأبحاث تعرضًا عاجلًا موجزًا نظرًا لضيق الوقت، فلما أرادت جامعة دمشق ضمها الى مجموع محاضرات الموسم الثقافي للعام المذكور - كعادتها في كل سنة - رأيت من الواجب أن أبين ما أجملته، وأشرح ما أوجزته، وأستدل لكل موضوع من مواضيع هذا البحث بالأدلة الشرعية. وبالوقائع التي تنشر عن حال المرأة الغربية وبأقوال المنصفين من الغربيين في الدفاع عن تهجمات المتعصبين من مستشرقيهم ورهبانهم ودعاة الاستعمار البغيض الذين ما فتئوا يكررون الهجوم على الاسلام والمسلمين لتبرير استعمارهم للبلاد الاسلامية، وافهام السذّج من الغربيين ان الاستعمار الغربي لهذه البلاد نعمة وتمدين واقتلاع للتشريع السيء في رأيهم - السائد في هذه البلاد.
وقد ألحقت في هذه الطبعة الخاصة ملاحق متعددة، فيها تأييد لأكثر الموضوعات التي تحدثت عنها في المحاضرة، وكل قصدي من اضافة هذه الملاحق أن أضع بين يدي القارئ مجموعة من الأدلة والشواهد يستوثق بها لما أوردته من آراء. وشأني في ذلك شأن المحامي الذي يطالب بحق أو يدافع عن حق، فيستكثر من الشواهد والأدلة ليزيد المحكمة اقتناعًا بما يترافع فيه. إن قضية المرأة قد استكثر فيها من الشواهد والأدلة من طرف واحد، وأنا أريد أن أضع بين يدي الطرف الآخر الذي أمثل آراءه في هذا الكتاب أدلة وشواهد تؤيد ما ندعو اليه ونقتنع به. ولم أذكر في هذه الملاحق كل ما بين
1 / 7
يدي من الوثائق فذلك أمر طويل، ولكني اقتصرت على أهم هذه الوثائق مع ذكر مصادرها ليزداد القارئ اطمئنانًا وإني أكرر ما قلته من أنه ليس الموضوع هو عداوة المرأة أو صداقتها كما يلذ لبعض الناس أن يصوروا ذلك لأغراض غير خافية، وإنما الموضوع هو ما ينبغي أن يكون عليه وضع المرأة الصحيح في مجتمع مسلم متماسك قوي الأخلاق، متين الدعائم.
ونحن لا يزيد موقفنا عن الدفاع عن كرامة المرأة عندنا وحقوقها المشروعة، والمحاولة لابعادها عن مجال الاستغلال لانوثتها بما يرهقها ويؤدي الى شقائها، رجاء أن لا تقع فيما وقعت فيه أختها في الحضارة الغربية مما ضج منه عقلاؤها ومفكروها الأحرار.
نسأل الله التوفيق والسداد فيما نحاول من إقامة مجتمعنا على دعائم وضع الاسلام أساسها، وأثبتت التجارب قوتها وصحتها.
دمشق ٢٨ من جمادي الآخرة ١٣٨٢
٢٥ من تشرين الثاني ١٩٦٢
مصطفى السباعي
1 / 8
مقدمة المحاضرة
إن قضية المرأة هي قضية كل مجتمع في القديم والحديث، فالمرأة تشكل نصف المجتمع من حيث العدد، وأجمل ما في المجتمع من حيث العواطف، وأعقد ما في المجتمع من حيث المشكلات، ومن ثمة كان من واجب المفكرين أن يفكروا في قضيتها دائمًا على أنها قضية المجتمع، أكثر مما يفكر أكثر الرجال فيها على أنها قضية جنس متمم أو مبهج.
ولست في حديثي الآن متعرضًا لقضية المرأة من جميع نواحيها، فذلك ما أتهيب الخوض فيه حتى هذه الساعة، لوعورة الطريق، وكثرة المتاهات فيه، وتحكم العواطف به، وقلة المنصفين من المستمعين اليه أو القارئين عنه. وقد تميز عصرنا هذا بمميزات: منها أنه عصر الدعاية، فللدعاية تأثير كبير على تفكيرنا واتجاهاتنا واقبالنا على الشيء أو اعراضنا عنه، وقد لعبت الدعاية في قضية المرأة دورًا في تبلبل الآراء، وتشتت الأهواء، وتغطية وجه الحق السمح المنير، حتى قسمت الباحثين في أمرها الى قسمين: صديق محب لها، وعدو كاشح عنها، وفي هذا التقسيم من المغالطة والبعد عن الحق ما فيه، فأنا لا أتصور رجلًا يكون عدوًا للمرأة، لأن المرأة أمه أو زوجته أو بنته أو أخته أو قريبته، فكيف يتصور أن يكون الانسان عدوًا لأمة أو لزوجته أو بنته أو أخته مثلًا؟ فاذا كان يريد منعها من بعض الأشياء فذلك لأنه يريد في ذلك مصلحتها قبل كل شيء، ثم مصلحة المجتمع بعد ذلك، ولا تكون الصداقة أو العداوة في الاعطاء والمنع، ولكنما تكونان بجلب الخير أو التوريط في الشر.
ومثل ذلك يقال فيمن تسميهم الدعايات المغرضة بأصدقاء المرأة، فهل معنى صداقتهم لها أن يورطوها فيما يسيء أو يضر بمصلحتها؟ أو يسبب لها القلق والشقاء النفسي والاجتماعي؟ إن الصديق الذي يريد أن يعمل بصديقه مثل هذا إنما هو عدو ولو تحدث بالأسلوب الناعم الرقيق المرضي
1 / 9
للأهواء والشهوات، وقديمًا قال بعض حكمائنا "صديقك من صَدَقك لا من صدّقك" وبهذا يكون تقسيم المختلفين في إصلاح أمر المرأة اليوم الى أصدقاء وأعداء فيه من تعمد المغالطة ما فيه، ولا يلبث أن ينكشف عند مناقشة الآراء، وتحري الحقائق.
إنني سأخوض في بحثي هذا في بعض نواحي القضية مما يتصل باختصاصي ودراستي وتجاربي كشخص عالج القضايا العامة بالعيش فيها فترة طويلة من حياته وأنا قبل ذلك مواطن عليه أن يسهم في بناء كيان أمته الاجتماعي بما يستطيعه من جهد، وقبل كل شيء فإني مؤمن بأن كرامة الانسان مرتبطة بحريته في تفكيره، وحريته في التعبير عن هذا التفكير، ولن يستهويني تصفيق الجماهير أو استهجانهم وإعراضهم، بقدر ما يستهويني أن أخلص في توجيه التفكير في أمتي بدقة وعمق وإخلاص. ويخيفني أن أسكت عن الحق، وأساير في الخطأ وأنجرف في التيار.
1 / 10
مقدمة تاريخية - تطور حقوق المرأة عبر التاريخ
لا بد لي قبل أن أبدًا حديثي عن "المرأة بين الفقه والقانون" من استعراض تاريخي لأوضاع المرأة الاجتماعية والقانونية في المجتمعات القديمة حتى ظهور الاسلام ثم فيما بعد ذلك في أوروبا في القرون الوسطى والعصور الحديثة، ومن الواضح لكل دارس منصف لهذه الأوضاع أن المرأة برغم التباين في موقف الأمم والشرائع من القسوة عليها أو الرحمة بها أنها قبل الاسلام لم تنل مكانتها الاجتماعية وحقوقها القانونية التي تستحقها بما يتفق مع رسالتها العظيمة التي خصصتها لها الحياة الطبيعية فيها، ولا مع مكانتها التي ينبغي أن نعترف بها، واليكم بعض الحديث عن ذلك.
عند اليونان
كانت المرأة في المجتمع اليوناني أول عهده بالحضارة محصنة وعفيفة لا تغادر البيت، وتقوم فيه بكل ما يحتاج اليه من رعاية، وكانت محرومة من الثقافة لا تسهم في الحياة العامة بقليل ولا كثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجسًا من عمل الشيطان، وكان الحجاب شائعًا في البيوتات العالية، أما من الوجهة القانونية فقد كانت المرأة عندهم كسقط المتاع تباع وتشرى في الأسواق وهي مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع الى حقوقها المدنية، ولم يعطوها حقًا في الميراث، وأبقوها طيلة حياتها خاضعة لسلطة رجل وكلوا اليه أمر زواجها فهو يستطيع أن يفرض عليها من يشاء زوجًا، وعهدوا اليه بالاشراف عليها في ادارة أموالها، فهي لا تستطيع أن تبرم تصرفًا دون موافقته، وجعلوا للرجل الحق المطلق في فصم عرى الزوجية بينما لم يمنحوا المرأة حق طلب الطلاق إلا في حالات استثنائية، بل وضعوا العراقيل في سبيل الوصول الى هذا الحق، ومن ذلك أن المرأة اذا أرادت أن تذهب الى المحكمة لطلب الطلاق تربص بها الرجل في الطريق فأسرها وأعادها قسرًا الى البيت.
1 / 13
أما في اسبارطة فقد توسعوا في اعطائها شيئًا من الحقوق المدنية فأعطوها شيئًا من الحق في الارث والبائنة (الدوطة) وأهلية التعامل، وما كان ذلك عن سماحة منهم واعتراف بأهلية المرأة، وإنما كان لوضع المدينة الحربي حيث كان أهلها في حرب وقتال، فكان الرجال يشتغلون بالحرب دائمًا ويتركون التصرف في حال غيبتهم للنساء، ومن هنا كانت المرأة في اسبارطة أكثر خروجًا الى الشارع وأوسع حرفة من أختها في اثينا وسائر مدن اليونان، ومع هذا فقد كان أرسطو يعيب على أهل اسبارطة هذه الحرية والحقوق التي أعطوها للمرأة ويعزو سقوط اسبارطة وانحلالها الى هذه الحرية والحقوق.
وفي أوج حضارة اليونان تبدلت المرأة واختلطت بالرجال في الأندية والمجتمعات، فشاعت الفاحشة حتى أصبح الزنى أمرًا غير منكر، وحتى غدت دور البغايا مراكز للسياسة والأدب، ثم اتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن، ثم اعترفت ديانتهم بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة، ثمن آلهتهم "افروديت" التي خانت ثلاثة آلهة وهي زوجة إله واحد وكان من أخدانها رجل من عامة البشر فولدت "كيوبيد" إله الحب عندهم! ثم لم يشبع غرائزهم ذلك حتى انتشر عندهم الاتصال الشاذ بين الرجل والرجل، وأقاموا لذلك تمثال "هرموديس وارستوجتين" وهما في علاقة آثمة، وكان ذلك خاتمة المطاف في حضارتهم فانهارت وزالوا.
عند الرومان
أما عند الرومان فقد كان الأمر عندهم في العصر القديم أن الأب ليس ملزمًا بقبول ضم ولده منه الى أسرته ذكرًا كان أو أنثى، بل كان يوضع الطفل بعد ولادته عند قدميه، فاذا رفعه وأخذه بين يديه كان دليلًا على أنه قبل ضمه الى أسرته، وإلا فإنه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد الى الساحات العامة أو باحات هياكل العبادة فيطرح هناك، فمن شاء أخذه اذا كان ذكرًا، وإلا فان الوليد يموت جوعًا وعطشًا وتأثرًا من حرارة الشمس أو برودة الشتاء.
وكان لرب الأسرة أن يدخل في أسرته من الأجانب من يشاء، ويخرج منها من أبنائه من يشاء عن طريق البيع، ثم قيد قانون الانثي عشر لوحًا حق البيع بثلاث مرات، فاذا باع الأب ابنه ثلاث مرات متوالية كان له الحق في التحرر من سلطة رئيس الأسرة، أما البنت فكانت تظل خاضعة لرب الأسرة ما دام حيًا.
1 / 14
وكانت سلطة رب الأسرة على أبنائه وبناته تمتد حتى وفاته مهما بلغ سن الأبناء والبنات، كما كانت له سلطة على زوجته وزوجات أبنائه وأبناء أبنائه، وكانت هذه السلطة تشمل البيع والنفي والتعذيب والقتل، فكانت سلطته سلطة ملك لا حماية، ولم يلغ ذلك إلا في قانون جوستنيان (المتوفي ٥٦٥ م) فان سلطة الأب فيه لم تعد تتجاوز التأديب.
وكان رب الأسرة هو مالك كل أموالها فليس لفرد فيها حق التملك، وإنما هم أدوات يستخدمها رب الأسرة في زيادة أموالها، وكان رب الأسرة هو الذي يقوم بتزويج الأبناء والبنات دون ارادتهم.
أما الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك، وإذا اكتسبت مالًا أضيف الى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين تقرر أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تتميز عن أموال أبيها. ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها، وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين.
وفي عهد جوستنيان قرر أن كل ما تكتسبه البنت بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر غير رب أسرتها يعتبر ملكًا لها، أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكًا له، على أنها وإن أعطيت حق تملك تلك الأموال فإنها لم تكن تستطيع التصرف فيها دون موافقة رب الأسرة.
واذا مات رب الأسرة يتحرر الابن اذا كان بالغًا، أما الفتاة فتنقل الولاية عليها الى الوصي ما دامت على قيد الحياة، ثم عدل ذلك أخيرًا بحيلة للتخلص من ولاية الوصي الشرعي بأن تبيع المرأة نفسها لولي تختاره. ويكون متفقًا فيما بينهما أن هذا البيع لتحرزها من قيود الولاية فلا يعارضها الولي الذي اشتراها في أي تصرف تقوم به.
وإذا تزوجت الفتاة أبرمت مع زوجها عقدًا يسمى "اتفاق السيادة" أي بسيادة الزوج عليها، وذلك باحدى ثلاث طرق:
١ - في حفلة دينية على يد الكاهن.
٢ - بالشراء الرمزي أي يشتري الزوج زوجته.
٣ - بالمعاشرة الممتدة بعد الزواج الى سنة كاملة.
1 / 15
وبذلك يفقد رب الأسرة سلطته الأبوية على ابنته وتنتقل هذه السلطة الى الزوج. وعلى الجملة فقد تحولت السلطة على المرأة - في عهد الازدهار العلمي للقانون الروماني - من سلطة ملك الى سلطة حماية ولكنها مع ذلك ظلت قاصرة الأهلية.
فبينما كانت قوانين الألواح الاثني عشر تعتبر الأسباب الثلاثة الآتية أسبابًا لعدم ممارسة الأهلية وهي: السن، والحالة العقلية، والجنس أي الأنوثة وكان فقهاء الرومان القدامي يعللون فرض الحجر على النساء بقولهم: لطيش عقولهن، جاء قانون جوستنيان ينص على أنه يشترط لصحة التعاقد أهلية حقوقية وأهلية فعلية واقعية.
أما الأهلية الحقوقية فيعتبر فاقدًا لها:
١ - الرقيق.
٢ - الأجانب في العقود الوطنية كالعقود الشفهية بالوعد كالعهود الكتابية الخاضعة لسلطة رئيس أسرة وهن البنات والزوجات.
وأما الأهلية الفعلية الواقعية فيعتبر فاقدًا لها:
١ - الأولاد (الصغار) والمعتوهون.
٢ - السفهاء في الحالة التي يصبحون فيها مدينين.
٣ - البنات والسيدات البالغات الخاضعات لسلطة رئيس أسرة (أب وزوج) وذلك في الحالات التي يصبحن فيها مدينات دون اذن من سيدهن.
٤ - النساء البالغات المستقلات، وذلك في الحالة التي يصبحن فيها مدينات دون إذن من الوصي عليهن.
غير أن هذه الحالة الأخيرة من فقدان الأهلية قد زالت مع زوال الوصاية على النساء في الامبراطورية السفلى، لكن هؤلاء النساء البالغات المستقلات ظللن فاقدات الأهلية عند تحمل دين الغير دون نفع لهن، فلسن أهلًا لأن يتحملن دينًا عن أزواجهن ولا أي واحد من الناس (١).
_________
(١) انظر في: المدخل الى تاريخ الحقوق الرومانية للدكتور معروف الدوالبي والمرأة عند اليونان، والمرأة عند الرومان للدكتور محمود سلام زناتي.
1 / 16
في شريعة حمورابي
كانت المرأة في شريعة حمورابي تحسب في عداد الماشية المملوكة، حتى أن من قتل بنتًا لرجل كان عليه أن يسلم بنته ليقتلها أو يتملكها.
عند الهنود
وكان علماء الهنود الأقدمون يرون أن الانسان لا يستطيع تحصيل العلوم والمعارف ما لم يتخل عن جميع الروابط العائلية.
ولم يكن للمرأة في شريعة منو حق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فاذا مات هؤلاء جميعًا وجب أن تنتمي الى رجل من أقارب زوجها، وهي قاصرة طيلة حياتها، ولم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها بل يجب أن تموت يوم موت زوجها وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر حيث أبطلت على كرهٍ من رجال الدين الهنود.
وكانت تقدم قربانًا للآلهة لترضى، أو تأمر بالمطر أو الرزق.
وفي بعض مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يقدم لها أهل المنطقة فتاة تأكلها كل سنة.
وجاء في شرائع الهندوس: ليس الصبر المقدر، والريح، والموت، والجحيم، والسم، والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة.
في أمثال الأمم القديمة
يقول المثل الصيني: أنصت لزوجتك ولا تصدقها.
ويقول المثل الروسي: لا تجد في كل عشرة نسوة غير روح واحدة.
ويقول المثل الاسباني: احذر المرأة الفاسدة. ولا تركن الى المرأة الفاضلة.
ويقول المثل الايطالي: المهماز للفرس الجواد والفرس الجموح، والعصا للمرأة الصالحة والمرأة الصالحة.
عند اليهود
كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها
1 / 17
الحق في أن يبيعها قاصرة، وما كانت ترث الا اذا لم يكن لأبيها ذرية من البنين وإلا ما كان يتبرع به لها أبوها في حياته.
ففي الاصحاح الثاني والأربعين من سفر أيوب: "ولم توجد نساء جميلات كنساء أيوب في كل الأرض، وأعطاهن أبوهن ميراثًا بين اخوتهن".
وحين تحرم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر يثبت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج، إذا كان الأب قد ترك عقارًا فيعطيها من العقار، أما اذا ترك مالا منقولا فلا شيء لها من النفقة والمهر ولو ترك القناطير المقنطرة.
وإذا آل الميراث الى البنت لعدم وجود أخ لها ذكر لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها الى غير سبطها.
واليهود يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم، وقد جاء في التوراة: "المرأة أمرُّ من الموت، وإن الصالح امام الله ينجو منها، رجلًا واحدًا بين الف وجدت، أما المرأة فبين كل أولئك لم أجد".
عند المسيحيين
لقد هال رجال المسيحية الأوائل ما رأوا في المجتمع الروماني من انتشار الفواحش والمنكرات، وما آل اليه المجتمع من إنحلال أخلاق شنيع، فاعتبروا المرأة مسؤولة عن هذا كله، لأنها كانت تخرج الى المجتمعات، وتتمتع بما تشاء من اللهو، وتختلط بمن تشاء من الرجال كما تشاء، فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأن العزب عند الله اكرم من المتزوج، وأعلنوا أنها باب الشيطان، وأنها يجب أن تستحيي من جمالها لأنه سلاح ابليس للفتنة والاغراء.
قال القديس "ترتوليان": إنها مدخل الشيطان الى نفس الانسان. ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله أي الرجل.
وقال القديس سوستام: إنها شر لا بد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مطلية مموهة.
وفي القرن الخامس اجتمع مجمع "ماكون" للبحث في المسألة التالية:
هل المرأة مجرد جسم لا روح فيها؟ أم لها روح؟
وأخيرًا قرروا أنها خلو من الروح الناجية (من عذاب جهنم) ما عدا أم المسيح.
1 / 18
ولما دخلت أمم الغرب في المسيحية كانت آراء رجال الدين قد أثرت في نظرتهم الى المرأة، فعقد الفرنسيون في عام ٥٨٦ للميلاد (أي في أيام شباب النبي ﵊ مؤتمرًا للبحث: هل تعد المرأة انسانًا أم غير إنسان؟ وأخيرًا قرروا أنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب.
واستمر احتقار الغربيين للمرأة وحرمانهم لحقوقها طيلة القرون الوسطى حتى ان عهد الفروسية الذي كان يظن فيه أن المرأة احتلت شيئًا من المكانة الاجتماعية حيث كان الفرسان يتغزلون بها ويرفعون من شأنها، لم يكن عهد خير لها بالنسبة لوضعها القانوني والاجتماعي، فقد ظلت تعتبر قاصرة لا حق لها في التصرف بأموالها دون إذن زوجها.
ومن الطريف أن نذكر أن القانون الانجليزي حتى عام ١٨٠٥ كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات (نصف شلن - ربع ليرة سورية) فقد حدث أن باع انجليزي زوجته عام ١٩٣١ بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه: إن القانون الانجليزي قبل مائة عام كان يبيح للزوج أن يبيع زوجته، وكان القانون الانجليزي عام ١٨٠١ يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغي عام ١٨٠٥ بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر.
وقد حدث في العام الماضي أن باع ايطالي زوجته لآخر على أقساط، فلما امتنع المشتري عن سداد الأقساط الأخيرة قتله الزوج البائع (مجلة حضارة الاسلام: السنة الثانية ص ١٠٧٨).
ولما قامت الثورة الفرنسية (نهاية القرن الثاني عشر) وأعلنت تحرير الانسان من العبودية والمهانة، لم تشمل بجنوها المرأة، فنص القانون المدني الفرنسي على أنها ليست أهلًا للتعاقد دون رضا وليها إن كانت غير متزوجة، وقد جاء النص فيه على أن القاصرين هم: الصبي والمجنون والمرأة، واستمر ذلك حتى عام ١٩٣٨ حيث عدلت هذه النصوص لمصلحة المرأة، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة، سنتكلم عنها قريبًا.
عند العرب قبل الاسلام
وإذا عدنا الى البيئة العربية قبل الاسلام، وجدنا المرأة العربية مهضومة في كثير من حقوقها، فليس لها حق الارث، وليس لها على زوجها أي حق،
1 / 19
وليس للطلاق عدد محدود، ولا لتعدد الزوجات حد معين، ولم يكن عندهم نظام يمنع تمكين الزوج من النكاية بها، كما لم يكن لها حق في اختيار زوجها، ولقد كان رؤساء العرب وأشرافهم فحسب يستشيرون بناتهم في أمر الزوج، كما نستنتج ذلك من بعض القصص التاريخية.
وكان الرجال إذا مات وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الاكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، ويعتبرها إرثًا كبقية أموال أبيه، فان أراد أن يعلن عن رغبته في الزواج منها طرح عليها ثوبًا، وإلا كان لها أن تتزوج بمن تشاء.
وكانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى، وكانت بعض قبائلهم تئدها خشية العار، وبعضهم كان يئدها ويئد أولاده عامة خشية الفقر، ولم تكن هذه عادة فاشية في العرب، وإنما كانت في بعض قبائلهم، ولم تكن قريش منها.
وكل ما كانت تعتز به المرأة العربية في تلك العصور على أخواتها في العالم كله، حماية الرجل لها، والدفاع عن شرفها، والثار لامتهان كرامتها.
1 / 20
موقف الإسلام
1 / 21
موقف الإسلام - مبادئ الإسلام في المرأة
في أواخر القرن السادس الميلادي، ووسط هذا الظلام المخيم من قضية المرأة في جميع أنحاء العالم المتمدن وغير المتمدن يومئذ، انطلق من جزيرة العرب، من فوق رمالها الدكناء، وسهولها الجرداء، وجبالها الحمراء، من مكة: انطلق صوت السماء على لسان محمد ﷺ يضع الميزان الحق لكرامة المرأة، ويعطيها حقوقها كاملة غير منقوصة، ويرفع عن كاهلها وزر الاهانات التي لحقت بها عبر التاريخ، والتي صنعتها أهواء الأمم، يعلن انسانيتها الكاملة، وأهليتها الحقوقية التامة، ويصونها عن عبث الشهوات وفتنة الاستمتاع بها استمتاعًا جنسيًا حيوانيًا، ويجعلها عنصرًا فعالًا في نهوض المجتمعات وتماسكها وسلامتها.
مبادئ الإسلام في المرأة:
وتتلخص المبادئ الاصلاحية التي أعلنها الاسلام على لسان محمد ﷺ فيما يتعلق بالمرأة في المبادئ التالية:
أولًا: إن المرأة كالرجل في الانسانية سواء بسواء، يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ [النساء: ٠١] ويقول الرسول ﵊: "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
ثانيًا: دفع عنها اللعنة التي كان يصقلها بها رجال الديانات السابقة، فلم يجعل عقوبة آدم بالخروج من الجنة ناشئًا منها وحدها، بل منهما معًا.
يقول تعالى في قصة آدم: ﴿فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه﴾ [البقرة: ٣٦].
ويقول عن آدم وحواء: ﴿فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وُري عنهما من سوآتهما﴾ [الأعراف: ٢٠]
ويقول عن توبتهما ﴿قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ [الأعراف: ٢٣].
1 / 23
بل إن القرآن في بعض آياته قد نسب الذنب إلى آدم وحده فقال ﴿وعصى آدم ربه فغوى﴾ [الأحزاب: ٣٥].
ثم قرر مبدأ آخر يعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء وهو يشمل الرجل والمرأة على السواء: ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون﴾ [البقرة: ٣٦].
ثالثًا: إنها أهل للتدين والعبادة ودخول الجنة إن أحسنت، ومعاقبتها إن أساءت، كالرجل سواء بسواء، يقول الله تعالى: ﴿من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل: ٩٧].
ويقول تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾ [آل عمران: ١٩٥].
وانظر كيف يؤكد القرآن هذا المبدأ في الآية الكريمة التالية: ﴿إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين والصادقات، والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥].
رابعًا: حارب التشاؤم بها والحزن لولادتها كما كان شأن العرب ولا يزال شأن كثير من الأمم ومنهم بعض الغربيين كما تحققت ذلك بنفسي، فقال تعالى منكرًا هذه العادة السيئة: ﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون﴾ [النحل: ٥٩].
خامسًا: حرم وأدها وشنع على ذلك أشد تشنيع فقال: ﴿وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت﴾ [التكوير: ٠٩].
وقال: ﴿قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم﴾ [الأنعام: ١٠٠].
1 / 24
سادسًا: أمر بإكرامها: بنتًا، وزوجة، وأمًا.
أما إكرامها كبنت فقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة:
منها قوله ﷺ: "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمّها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها الخ ... ".
وأما إكرامها كزوجة ففي ذلك آيات وأحاديث كثيرة: منها:
قوله تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ [الروم: ٢١].
وقوله ﷺ: "خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة، إن نظرت اليها سرتك، وإن غبت عنها حفظتك"
(رواه بألفاظ قريبة منه مسلم وابن ماجه).
وأما إكرامها كأم ففي آيات وأحاديث كثيرة:
قال الله تعالى: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا، حملته أمه كرهًا ووضعته كرها﴾ [الأحقاف: ١٥].
وجاء رجل الى النبي ﷺ فقال: "من أحق الناس بصحبتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك! " (رواه البخاري ومسلم).
وجاء رجل الى النبي ﷺ وقال: أريد الجهاد في سبيل الله، فقال له الرسول: هل أمك حية؟ قال: نعم، قال: الزم رجلها فثم الجنة" (رواه الطبراني).
سابعًا: رغب في تعليمها كالرجل، فقد مر معنا قوله ﷺ: "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها الخ ... ".
وفي الحديث عنه ﷺ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". (رواه البيهقي).
وقد اشتهر هذا الحديث على ألسنة الناس بزيادة لفظ "ومسلمة" وهذه الزيادة لم تصح رواية، ولكن معناها صحيح، فقد اتفق العلماء على أن كل ما يطلب من الرجل تعلمه يطلب من المرأة كذلك.
1 / 25
قال الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص ٢٧٧: قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث "مسلمة" وليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كان معناها صحيحًا.
ثامنًا: أعطاها حق الارث: أمًا، وزوجة، وبنتًا: كبيرة كانت أو صغيرة أو حملًا في بطن أمها.
تاسعًا: نظم حقوق الزوجين، وجعل لها حقوقًا كحقوق الرجل، مع رئاسة الرجل لشؤون البيت، وهي رئاسة غير مستبدة ولا ظالمة. قال تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾ [البقرة: ٢٢٨].
عاشرًا: نظم قضية الطلاق بما يمنع من تعسف الرجل فيه واستبداده في أمره فجعل له حدًا لا يتجاوزه، وهو الثلاث، وقد كان عند العرب ليس له حد يقف عنده، وجعل لايقاع الطلاق وقتًا، ولأثره عدة تتيح للزوجين العودة الى الصفاء والوئام. وهذا مما سنتعرض له بعض الشيء في بحثنا هذا.
الحادي عشر: حد من تعدد الزوجات فجعله أربعًا وقد كان عند العرب وعند غيرهم من الأمم التي تبيح التعدد غير مقيد بعدد معين.
الثاني عشر: جلعها قبل البلوغ تحت وصاية أوليائها، وجعل ولايتهم عليها ولاية رعاية وتأديب وعناية بشؤونها وتنمية لأموالها، لا ولاية تملك واستبداد.
وجعلها بعد البلوغ كاملة الأهلية للالتزامات المالية كالرجل سواء بسواء.
ومن تتبع أحكام الفقه الاسلامي لم يجد فرقًا بين أهلية الرجل والمرأة في شتى أنواع التصرفات المالية كالبيع، والاقالة، والخيارات، والسلم، والصرف، والشفعة، والاجارة، والرهن، والقسمة، والبينات، والاقرار والوكالة، والكفالة، والحوالة، والصلح، والشركة، والمضاربة، والوديعة، والهبة، والوقف، والعتق، وغيرها.
النتيجة:
من هذه المبادئ الاثنى عشر نعلم أن الاسلام أحل المرأة المكانة اللائقة بها في ثلاث مجالات رئيسية:
1 / 26