أما الأمير وقد أصبح يرزح تحت عبء الخيانة فظل مترددا ولا يعلم فيما إذا كان ينبغي له أن يرمي بنفسه إلى أحضان بيمونته لتساعده أم أنه يؤجل سير القضية القومية فيرجع نادما إلى حضيرة هبسبورج، وقد احتج أولا على القرار زاعما بأنه لم يفكر قط في ترك الدولة، ثم قبل تكاليف جيبورتي بالمساعدة وتداول معه في خطة تؤدي إلى دخول القوات البيمونتية.
ولما ألح عليه البابا وفرديناند بأن يدع بيمونته وشأنها وأن يلجأ إلى نابولي أبحر إلى جايته، ولما فشلت حركة لوجيه لم يلق أي مساعدة من الأهلين وانفض عنه رجاله وقبل أن يصل جيرازي ببعض المتطوعين والجند النظامي هرب الأمير إلى بيمونته، وبذلك قبلت طوسكانه بأجمعها الحكومة سواء أكان ذلك طوعا أو كرها.
الفصل السادس عشر
نوفاره
كانون الثاني 1848- أزار 1849
وقفت بيمونته من الحركة الجمهورية في إيطالية الوسطى موقف الخصم، لاحظ الأحرار فيها أن الطوسكانيين والرومانيين ضحوا بالقضية القومية الكبرى على مذبح نزعاتهم السياسية، وقد أقام جبيورتي في تورينو للاشتغال بالسياسة، وكان يرى أن إيطالية في الظروف التي كانت تجابهها تحتاج إلى الضبط أكثر من حاجتها إلى الحركة، وأن الملكية كانت في إبان سطوتها في بيمونته، فكل حركة جمهورية إنما تسبب انقسام البلاد تجاه العدو.
وقد برزت لياقته في كل حادث، مما دل على أنه كان سياسي عصره الأوحد في دولة بيمونته، وكانت آراؤه السياسية قد طرأ عليها تعديل منذ ألف كتابه بريماتو، وقد اعتقد بعد صدور رسالة البابا العامة أن البعث القومي لن يأتي أبدا عن طريق البابوية، وأن بيمونته هي المنقذ الوحيد، وأدرك أن شعور الكراهية الذي يسود إيطالية الوسطى للإلبرتيين من شأنه أن يجعل الاتحاد لا الوحدة هي الخطوة الممكنة في تلك الظروف.
وإذا كانت الفكرة القومية تقول بمنع الأجنبي من التدخل في شئون سلطة البابوية الزمنية أو في تقرير مصير إيطالية؛ فإن الفكرة ذاتها تبيح لكل دولة إيطالية التدخل في شئون الدولة الإيطالية المجاورة؛ فلذلك يقضي الواجب القومي على بيمونته بأن تستخدم نفوذها في التوسط بين الدول الإيطالية المتخاصمة، وإذا اقتضى الأمر فعليها أن تتدخل بالسلاح.
وكانت معركة الانتخابات في كانون الثاني حامية الوطيس، وقد انتخبت إيالة صافويه فوجا ذا بأس من المحافظين المتشردين، وخسر المعتدلون المعركة في كل الأنحاء، وكان القسم الأكبر من الأكثرية الدموقراطية من الرجال الجدد؛ أي من صغار المحامين في الإيالات، ومن اللمبارديين اللاجئين، ومن الرهبان المتطرفين الذين يدعون إلى الاستمرار على الحرب وغيرهم ممن كانوا على استعداد لتأييد جيوبرتي.
وسرعان ما فترت العزائم حينما صرح الوزير الأول فجأة أنه لن يشترك في المجلس التأسيسي في روما، وقلق أولو البصيرة من الدموقراطيين من ذلك رغم امتعاضهم من سياسة إيطالية الوسطى، وأخذت الثغرة بين بيمونته وبين إيطالية الوسطى في الاتساع.
Página desconocida