وكان كافور يتألم كثيرا لهذه الضرورة القاهرة، ولكنه كان قانعا بأن تقديم هاتين الإيالتين الصغيرتين للإمبراطور في حالة إصراره هو الذي سيؤدي إلى حماية إيطالية الوسطى، وكان يعلم جيدا بأن هذا العمل قد يقضي على سمعته لدى الشعب، غير أنه كان على استعداد بتضحية نفسه على مذبح النفع العام، وأن يبيع في سبيل وحدة إيطالية كل شيء: الأصدقاء والضمير والسمعة الحسنة، وأن يتقبل كل التضحيات التي تنيله آماله، وقد عقد النية على أن يكسب الإيالات الوسطى مهما كلفه الأمر.
وكان يرغب في أن يكسبها برضاء الإمبراطور إن أمكن؛ لأن وقوف بيمونته وحدها في وجه النمسة كان خطرا عظيما عليها، وكانت الحكومة الإنجليزية قد اقترحت إيجاد تفاهم إفرنسي إنجليزي لتنظيم القضية الإيطالية ، وكان بالمرستون ورسل يذهبان إلى أبعد من ذلك ويميلان إلى عقد حلف بين الدولتين للدفاع عن المصالح الإيطالية، غير أن ملك إنجلترة عارض هذا المشروع.
وكان جلادستون الوزير الوحيد الذي حبذه بين أعضاء الوزارة،
إنجلترة لا تعارض في انضمام الإيالات إلى بيمونته إذا قررت المواد الأربع التي تؤلف دعائم السياسة الإنجليزية بالنسبة للقضية الإيطالية، ولما اطلع كافور على هذه الأخبار السارة رأى أن العقبات زالت وأن الطريق ممهدة له.
ولكن بعد أن تم التفاهم الإفرنسي الإنجليزي حدث ما قوضه؛ ذلك أن السياسة الإنجليزية الخارجية كانت تحذر من فرنسة وتترقب سياستها، وكان حذرها من السياسة الإفرنسية في إيطالية أقوى من ميلها وصداقتها لإيطالية.
وقد استطاع الإمبراطور بادئ الأمر أن يخفي نياته نحو صافويه وأن ينجز المفاوضات بلباقة ولكن هذا السر تسرب بغتة، وحاول كافور وتوفنيل وزير خارجية فرنسة عبثا إخفاءه بالتكذيب الجريء، ولكن إنجلترة اعتقدت أنها خدعت فحنقت حنقا شديدا وخشي الإمبراطور أن يقع كافور في أحضان إنجلترة في سبيل حرصه على ضم إيطالية الوسطى بمساعدتها، وبهذا يخسر نابليون صافويه ونيس بينما كان يعتبر كسب هاتين الإيالتيين أمرا جوهريا، ولا سيما بعد ذلك السخط الذي جلبته الرسالة والكتاب المرسل للبابا من الكاثوليك في فرنسة، فاعتزم أن يأخذ صافويه بأي ثمن كان حتى إنه وافق على أن تتقدم بيمونته في إيطالية نحو الناحية التي تستطيع أن تصل إليها.
وبينما كان يفاوض إنجلترة كان يساوم كافور ويلوح له بالحكم في الروماني نيابة عن البابا، وبتأسيس دولة منفصلة في طوسكانه والموافقة على اعتلاء أمير من آل صافويه عرشها، وراح يتردد بين طوسكانه أو صافويه ونيس، وأمسى يهدد بيمونته بسحب القوات الإفرنسية من لمبارديه وترك البلاد تحت رحمة النمسة، وهنا تتجلى لنا الصعوبات التي كان يجابهها كافور في توجيه دفة السياسة.
وقد تباينت الحلول والوجهات فكان عليه مثلا أن يستند إلى محالفة إنجلترة بضم طوسكانه والروماني، وأن يرفض التخلي عن صافويه ونيس، أو أنه كان يجب أن يحقق رغبات الإمبراطور فارضا أن سيادة البابا الغامضة على الروماني لا يؤبه لها، وأن اعتلاء دوق جنوة وعرش طوسكانه وتعيين ريكاسولي وصيا إنما يعين انضمام طوسكانه في الواقع، ولكن التخلي عن فكرة الضم المطلق من شأنه يجرح الشعور القومي وأن يغضب أهل طوسكانه وأن يساعد أنصار الحكم الذاتي على رفع رءوسهم، وأخيرا قرر بأن يضحي بصافويه وإذا قضت الضرورة بنيس أيضا.
ووافق على إرضاء نابليون في جميع الأمور الثانوية واجتنب - في حذر - التلميح لإنجلترة في الحرب وأعد العدة لإجراء الاستفتاء في إيطالية الوسطى بالاقتراع العام، وكان يعلم بأن الإمبراطور لن يستطيع أن يرفض حق الشعب في الاقتراع؛ ذلك لأن الاستفتاء الشعبي بالاقتراع في فرنسة هو الذي أقعده على عرش فرنسة، وكان إصرار كافور على إلحاق طوسكانه شديدا لا يتزحزح عنه، وكان يعتمد في رفضه التخلي عن طوسكانه على معاضدة إنجلترة الأدبية وعلى معاضدة بروسية إلى حد ما، وأما إذا ساءت الأمور فإنه اعتزم على مقاومة النمسة وحده بدلا من أن ينزل الراية القومية التي خفقت في طوسكانه.
وقد حرص فانتي على تنشيط حركة التسلح سرا وبسرعة، وقدر بأن على المملكة أن تنزل إلى الميدان مائتي ألف جندي، وعجل في إجراء الاقتراع العام بأن استصدر إرادة ملكية في 1 آذار يقضي بإجراء الاقتراع في دويلات الوسط حالا، وإذا ما جاء الاقتراع مؤيدا لفكرة الانضمام فسيعقبه توا انتخاب النواب إلى البرلمان الإيطالي.
Página desconocida