وكان مازيني رغب في تدبير حركة ثورية في جنوة وليفورنه، غير أنه قرر أخيرا أن يضل الحركة بمؤامرة دبرها أحرار نابولي ولاباسيلكانة وبعض اللاجئين النابوليين والصقليين في جنوة، وحاول كارلوببساكانة أحد دوقات نابولي مع آخرين الاستيلاء على الباخرة كاجلياري - وكانت تمخر بين جنوى وساردينية - والسفر بها إلى بونزي بالقرب من جايته؛ لإخراج المسجونين من السجن وإنزالهم إلى سابري ليلتحقوا بثوار باسيلكانة، ويعقب ذلك الزحف على نابولي، وأنيطت بالدموقراطيين في جنوة وقتئذ مهمة الاستيلاء على المدينة وحصونها وإرسال المدد، ومع أن المتآمرين أنكروا أي محاولة لقلب حكومة جنوة وزعموا أنهم لا يريدون سوى الحصول على السلاح والرجال مددا للحركة؛ فإن مازيني كان يعتبرها ثورة جمهورية مما حدا بعقلاء الدموقراطيين كغاريبالدي وبرتاني إلى الإعراض عن مظاهرتها.
لقد استولى بيساكانة على الباخرة كاجلياري في 25 حزيران 1887 وفق برنامجه، إلا أنه بإنزاله أربعمائة سجين من المحكوم عليهم إلى سابري؛ قد أضر بسمعة الحركة، فضلا عن أن أهل باسيلكانة - بسبب إهماله - لم يكونوا على أهبة للحركة حتى إن القرويين قاوموا رجاله، وأخيرا - وبعد عراك - تغلب القرويون والملشيا على عصابة الصغيرة، ومات بيساكانة ونصف رجاله، أما النصف الباقي فوقع في مخالب قضاة فرديناند وانتهت الحركة في جنوة وليفورنة دون أن تجدي، وبعد أن سببت خسائر على غير فائدة.
وقد عاملت حكومة بيمونته المتآمرين المقبوض عليهم معاملة قاسية، لا تقل في قسوتها عن معاملة فرديناند للثائرين، وجاءت حركة باسيلكانه هذه آخر ضربة طعنت نفوذ مازيني، وعاد أخلص رجاله لا يثقون بزعامة رجل كان الفشل نصيبه في جميع الحركات، فضلا عن أن تلك الحادثة قد قضت على مشروع مورات أيضا، وطبعت حركة الوحدة في الجنوب بطابع جديد.
وكان من نتيجة الحركة المذكورة أن اشتد التوتر بين نابولي وبيمونته، واستولى أسطول نابولي على الباخرة كاجلياري بعرض البحر، وألقى ببحارتها وبينهم ميكانيكيان إنجليزيان في السجن النابولي، وطلب سفير ملك تورينو الباخرة، وطلبت الحكومة الإنجليزية إخلاء سبيل الرعايا البريطانيين، ولكن فرديناند رفض أن يسلم الباخرة وبحارتها.
وأخذت الحادثة تهدد بنشوب الحرب، فتدخلت وزارة دربي البريطانية في الأمر وبإطلاق فرديناند سبيل الإنجليزيين تخلت الحكومة البريطانية عن التدخل في الأمر، فحنق الرأي العام في إنجلترة على حكومته؛ لخضوعها المزري وأكره الحكومة على طلب الغرامة والعمل مع حكومة تورينو في الموضوع، فخشي فرديناند سوء العاقبة وأخلى سبيل الباخرة وقدم تضمينات للميكانيكيين، فأضافت هذه الحادثة إكليلا جديدا من النصر إلى سياسة كافور.
وبلغت سلطة كافور في بيمونته المرتبة التي لا تعلى، وقد تمتعت بيمونته في العهد الذي تولى فيه كافور رئاسة الوزارة على الرغم من العجز السنوي الذي أصاب الميزانية والزيادة الخطيرة المطردة في القرض القومي؛ رخاء لا مثيل له، فنمت الزراعة وراجت التجارة وعمت السكك الحديدية.
وفي عهده توفق «لانزه» وزير المعارف إلى رفع مستوى المدارس الأولية والثانوية، وأوجب القانون الذي صدر سنة 1848 ففتح مدرسة أولية في كل ناحية، فبلغ عدد المسجلين في المدارس عشرة بالمائة من مجموع الأهالي رغم النقص البارز في المعلمين الأكفاء، وترك قانون لانزه المدارس الخصوصية إلا أنه أقر لوزارة المعارف بسلطات محدودة لمراقبة تلك المدارس، وفرض المعلمين اختيار الامتحان وفتح دور المعلمين وحدد الحد الأدنى لأجور المعلمين، واقترح تأسيس مدارس للصناعة.
بيد أن لانزه جابه معارضة شديدة، فالإكلريكيون عارضوا في فرض رقابة على المدارس الخصوصية، ومع أن كافور وكثيرا من الأحرار كانوا يقولون بقول رجال الدين في ضرورة إطلاق حرية التعليم إلا أن رجالا كثيرين آخرين كانوا يقولون بضرورة رقابة الدولة على التعليم، وكانوا يحذرون امتداد نفوذ الإكليروس عن طريق إطلاق حرية التعليم، ضاربين المثل بما كان يتمتع به الإكليريكيون في فرنسة وبلجيكة من نفوذ باسم حرية التعليم، واضطر كافور أن يضحي برأيه الشخصي ثم أقر المجلس القانون.
وكان تأثيره في المدارس الثانوية مباغتا؛ ففي خلال سنوات بلغ عدد التلاميذ فيها أربعة أضعاف ما كان قبل القانون، وأقر مجلس الأمة مشروع لامارمورا الذي يقضي بإقامة شبكة حصون بين ألكسندرية وكاساله وفالانسه لإعاقة تقدم النمسويين في حالة نشوب الحرب ريثما ترد النجدات الإفرنسية، وقد دشن اللمبارديون من وراء نهر نستينا زيارة الإمبراطور فرنسوا جوزيف للمبارديه بفتح اكتتاب لإقامة تمثال في تورينو باسم الجيش البيمونتي، مما اضطر حكومة النمسة إلى استدعاء القائم بأعمالها من تورينو، إلى تبادل الكتب الشديدة اللهجة بينها وبين حكومة تورينو، ثم إلى قطع العلاقات بينهما، ولم ينجح بالمرستون في إقناع بيمونته بإعادة العلاقات.
وأدت دعاية الجمعية القومية إلى لم شمل الأحرار في إيطالية كلها، وبذرت بذور الثورة في جميع الدول المستبدة، وأدى فشل الجمهوريين النهائي إلى زوال احتمال خطر الانشقاق في صفوف الأحرار، حتى إن بعض أعضاء حزب أقصى اليمين كانوا على استعداد لمعاضدة الحركة القومية ضد النمسة، واستمرت بيمونته في مساعيها للتأهب للحرب ولاح لها احتمال معاضدة فرنسة إياها، فراحت تنتظر بثقة بدء المعركة بعد أن اطمأنت إلى إمكان الظفر بجيش حليف يساعدها في الميدان، وبعد أن تأكد لها إقبال أحسن العناصر في إيطالية على تأييدها.
Página desconocida