يعقد جلساته تألف في إيطالية حزب جديد لتأييد سياسة كافور وتنشيطها وانتزاع القيادة المعنوية من أيدي الجمهوريين وتسليمها لحزب الأحرار الكثير العدد الذي نادى بكافور رئيسا ...
وكانت ثورة ميلانو المشئومة سنة 1853 ضربة قاضية على نفوذ مازيني وقد قضى على سمعة جمهورية روما، أما في فرنسة فإن الانقلاب الذي قام به لويس نابليون أدى إلى تشتت شمل الجمهوريين، وكذلك أخذ أنصار مازيني في روما ونابولي ولمبارديه يلتحقون زرافات بالقوميين الذين ساروا وراء فكتور عمانوئيل وكافور، وكان سقوط مازيني ذا مغزى يفوق مغزى سقوط الحزب الجمهوري؛ إذ به ينتهي الدور الذي بلغ سماكه فيما بين السنوات 1846-1849، وبدأ للعيان أن الحماسة التي لا تستند إلى القوة تعجز عن مقاومة حراب الجيوش الدائمة، على أن القضية لم تقترب من النجاح إلا يوم عاضدتها قوى فعالة، أعني: الجيش البيمونتي والسياسة البيمونتية، أما الحماسة المحرومة من الضغط والآراء السياسية المبتسرة فقد فشلت.
وكان شعار السياسة الجديدة الحصول على أكثر شيء ممكن بأقل جهد وتضحية، وهكذا حلت نزعة كافور الحرة محل نظريات ميماني ومونتانللي وبروفيريو الاجتماعية، وكانت حركة مازيني وجيوبرتي قد سارت مدعمة بتقديس الكنيسة، فحمل متطوعوها الصليب فوق صدورهم وكانوا يتضرعون إلى الله لنيل مقاصدهم.
أما الجيل الجديد فأخذ يهتم كثيرا بمخزن العتاد، وكان للأولين شعراؤهم ومؤلفاتهم الأدبية المهمة، وكانوا يرجعون إلى التاريخ، أما الأخيرون فصاروا يكتبون الرسالات ويوزعون النشرات ويتكلمون بلسان الصحافة التي ارتفعت منزلتها بعد سنة 1847 فضمت المفكرين الوديعين توماسيو وباتسي ونابت النظرية العقلية
Rationalism ، مناب المثالية
idealisme ، وأخذت الروح الجديدة تهتم بالحال أكثر من اهتمامها بالمستقبل وتجنبت الإفراط في آمالها، وسلكت سبيل الحذر والتربص عازمة على ألا تجازف على الطريقة الدون كيخوتية منصرفة للاستعداد لا تنزل إلى المعركة إلا بعد أن تضمن النجاح.
وجعلت الحركة الجديدة كل اعتمادها على الضبط والنظام وأعرضت في سبيل المحافظة على الوحدة عن المغامرات المفاجئة والاعتداء على الخصوم وسحق الأقلية، وصرفت همها إلى إزالة كل ما يسبب الخلاف حتى لا يقع مثل الانشقاق بين الملكيين والجمهوريين الذي شل حركة لمبارديه صيف سنة 1848، وكذلك إزالة الشكوك التي جعلت المحافظين يكادون يغتبطون بهزيمة نوفاره، وقد تمشت الحركة على أن ملك بيمونته هو الزعيم الوحيد، وأن دستور بيمونته هو الأنموذج الذي يجب أن تحاكيه دساتير إيطالية وأن جيش بيمونته هو الأداة الوحيدة للخلاص.
وكان جيوبرتي إلى حد ما رئيس دعاة هذا المذهب الجديد وكما أن كتابه بمريماتو كان قد أوجد جماعة الجلفي الجديد ، فكذلك كان كتابه «البعث المدني» إنجيل جماعة الوحدة الجديدة، ولما مات جيوبرتي سنة 1852 انتقل تراثه إلى يد رجلين ممتازين: الأول «جيور جيوباللا فنجينو» من أهل لمبارديه، وقد قضى هذا في سجن شبيلبرج زهاء 14 سنة وعاد إلى بيمونته من جملة اللمبارديين اللاجئين سنة 1848، وكان من المؤمنين بالجمهورية، بيد أن اختلاطه للملكيين واتصاله الشخصي بالملك سرعان ما جعلاه من الملكيين، ومع ذلك فقد ظل راديكاليا متحمسا جم النشاط واسع الطموح إلا أنه قليل الكفاية في السياسة، وكان يميل إلى حمية غاريبالدي النزيهة ولا يثق بسياسة كافور الكثيرة الحذر، وثانيهما مانين وكان قد التجأ إلى باريس بعد سقوط البندقية، واكتسب - بنزاهته وإخلاصه ونبل سيرته - احترام جميع اللاجئين، وكان متخلقا بالصفات التي يندر أن يتخلق بها رجال الدولة.
وبينما كان كافور يقنع الناس بالعقل والمنطق كان مانين يمس قلوبهم، وكما فعله زميله باللافجينو ترك مانين الآراء الجمهورية وأدرك أن لإيطاليا قوتين أساسيتين هما: الرأي العام والجيش البيمونتي، ولاكتساب القوة الثانية يجب تنظيم القوة الأولى واستخدامها في حمل فكتور عمانوئيل، على أن يترأس الحركة القومية، وهكذا، فإن مانين كان يتوخى تثبيت الشعور القومي الذي يشتد ميلا نحو بيمونته، وأصبح يتتبع باهتمام تطورها الدستوري وجهادها ضد البابوية، ويصفق استحسانا لها حين احتجت على حجز أملاك اللمبارديين من قبل النمسة مغتبطا بتحالفها مع الدول المعظمة على الرغم من إخفاقها في تحقيق الآمال.
وظل يعتبر أن بيمونته هي بطل إيطالية المجاهد التي قدر لها أن تحتضن سياسة الإنقاذ القومي، وكان لافارينا المؤرخ وزير صقلية السابق هو القائم بالدعاية لهذا المذهب.
Página desconocida