حسب «بلداسروني» أن بيمونته ستنضم إلى الحلف لا محالة؛ إذ كان يشك في أنها تظل محافظة على مؤسساتها الحرة وبعد أن طوقتها الحركة الرجعية الظافرة، كان يجابه هذه الدولة الصغيرة التي تبلغ نفوسها خمسة ملايين اثنان وثلاثون مليونا من نفوس النمسة ويضاف إليهم قوى إيطالية الحكومية بأجمعها.
وقد كان هم رجال الدولة في فيينا أن يحملوا بيمونته على التخلي عن دستورها، وكانت بيمونته ذاتها مصابة بعناصر الوهن والتفرقة، فالإكليروس في تورينو وبعض المناطق الريفية يسيطر على قسم كبير من الناحيتين، حتى إذا ما حرضته روما؛ استطاع أن يساعد الحزب النمسوي والحركة الرجعية.
وكان الأميون في الدولة ويبلغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف مليون؛ مرتعا خصبا لاستغلال رجال الدين، أما المثقفون من الأشراف فكان ميلهم للنمسة وروما أكثر من حبهم للوطن، إن هيبة الحكومة أصيبت في حادثة نوفاره بضربة حالت شدتها دون أن تستعيد مكانتها بسرعة، أما الطبقة المنحطة من اللاجئين فقد جلبت جراثيم من الشغب سارية لولا تقاليد البلاد في رعاية القوانين لأدت إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة وكان الحصاد رديئا، وأخذ الحلف النمسوي يهدد تجارة بيمونته ويسد أبواب نصف إيطالية في وجهها، أما البلاد الأجنبية بما فيها فرنسة وإنجلترة فكانت لا تعطف عليها إلا قليلا، ناهيك بالرجعيين في أوروبا الذين كانوا يعتبرونها خطرا يهدد سلم القارة.
على أن في سياسة الحكومة نفسها ما يكفي لخلق الصعوبات، فحكومة بيمونته حذت حذو حكومتي فيينا ونابولي بإظهار سخطها على الثورة، وصارت تدعو إلى احترام حدود جاراتها وتجهر بأنه ليس لها أي مطمع في تجاوز حدودها ولم يكن والحالة هذه أمام دازجيلو طريق آخر، وأصبح من المتعسر استئناف سياسة 1848-1849 من دون مساندة فرنسية، وكانت حكومة فرنسة تبذل كل نفوذها لإبقاء بيمونته ساكنة ولكبت ميولها ومطامحها، على أن الحكومة كانت تعلم جيدا أن الفرصة إذا حانت للتقدم فإن احترام الحدود يصبح مجرد ألفاظ ليس إلا، وكانت المعارضة حينئذ ضعيفة جدا لا تستطيع أن تعمل أكثر من مظاهرة وتأييد منهج دازجيلو.
وكان المجلس قبل صدور الإرادة بحله قد أبدى رأيه الصريح في استنكار سياسة التساهل مع النمسة والحرص على صيانة شرف الراية الإيطالية، واستمر على المطالبة بمنح جنسية إلى الإيطاليين المولودين في بلاد بيمونته، ومن الراجح أن الدموقراطيين لم يكونوا يمثلون مطلقا شعور الأكثرية الحقيقي في البلاد، فقد كانوا أقوياء بين الطبقة المتوسطة كالتجار والصناع والموظفين في النواحي، بينما كان أكثر الناخبين من المحافظين، وكان المرسوم الذي استصدره مونكالييري بالحل من جملة الأسباب التي ضمنت للبرهان الجديد أكثرية محافظة.
وقد جاء انتخاب المئتين والأربعة أعضاء في المجلس النيابي البيمونتي جوابا قاطعا يفند التهمة الموجهة إلى الطليان بأنهم غير جديرين بالمؤسسات التمثيلية؛ إذ ظفر المجلس بنواب رزينين أذكياء وطنيين، ولم يؤلف الأعضاء أحزابا متبلورة بل كان الأعضاء يتنقلون من فئة إلى فئة أخرى، وكانت أكثرية الوزارة من عناصر لا تضامن بينها، وكان يجلس في أقصى اليمين عدد ضئيل من الرجعيين انتخبوا من إيالة صافويه، وكانوا قدماء في مجلس الأعيان ولو أتيحت لهم فرصة لضربوا بالدستور عرض الحائط، وكانوا يدعون بأن من واجب الحكومة الكاثوليكية أن تخضع للكنيسة ويعارضون بشدة كل سياسة تقدمية ويسعون إلى تخفيض قوة الجيش، وكانوا يتهددون قائلين: «إذا كان البيمونتيون إيطاليين فيجب إذن أن تكون جبال الألبة هي الحد الفاصل بين فرنسة وإيطالية.» إلا أنهم كانوا يسندون الحكومة حين مهاجمة الدموقراطيين إياها.
وكانوا يتلقون الأوامر من روما ومن فيينا أحيانا، ويجلس في اليمين نواب أكثرهم من الدستوريين المعتدلين الذين قبلوا الدستور مخلصين له واشتركوا في الحرب وعطفوا على فكرة الاستقلال الإيطالي، بيد أنهم كانوا يقاومون كل حركة تهدد استقلال بيمونته الذاتي أو تؤدي إلى نقل العاصمة من تورينو إلى مدينة أخرى.
وكانوا يؤلفون حزبا محافظا حقيقيا، ويخشون جانب الدموقراطيين وينزعون إلى تأييد امتيازات الكنيسة وحقوق الملك، وكان دازجيلو وبالودينللي ينتمون إليهم ، وظل كافور بطلهم القوي إلى أن رأى صعوبة السير معهم في القضايا الإكليريكية والمالية، وكان ريفل رئيسهم الحقيقي وهو من مدينة نيس وقد تولى وزارة المالية من سنة 1844 إلى 1848 وكان أشد رجال المدرسة القديمة محافظة.
أما حزب اليسار فكان قويا في المجلس السابق، أما في المجلس الجديد فظفر بقوة كافية تمكنه أحيانا من التأثير في الحكومة وتوجيهها، لكنه كان مشتتا وغير متجانس؛ ففيه الأحرار المعتدلون، وهؤلاء كانوا فيما عدا القضايا الإكليريكية لا يختلفون عن المعتدلين في اليمين إلا قليلا، وفيه المتطرفون الاشتراكيون المعتدلون. وكانت سياسته الخارجية هي نفس السياسة التي روعيت زمن الحرب وأبى أن يبدلها رغم الظروف.
ولكن هذا الحزب كان خير عضد للحكومة في نزاعها مع روما، وأما منهجه الاجتماعي فلم يكن - على تفاهته - يخلو من قيمة، ومهما كانت معارضته قوية وهي معارضة لم يسر فيها على منهج واحد؛ فإنه لم يكن يرغب في إسقاطها؛ لأنه من الضعف بحيث لا يستطيع أن يتولى الحكم فضلا عن أن سقوط الحكومة قد يؤدي إلى أن يتولى ريفل الحكم.
Página desconocida