يزعم «فليكس فون شوار فتسبرج» رئيس الحكومة النمسوية أن الطليان لا يستحقون المؤسسات التمثيلية التي قد تقودهم إلى الاصطدام بالنمسة، ذلك الاصطدام الذي كان رجال الدولة في العهد الرجعي يسمونه الفوضى، وكانوا يصرحون بأن الحرية البلدية والإدارية التي تتمثل في اقتراع ضيق هي وحدها تلائم تقاليد إيطالية وتسد حاجتها، وأن دموقراطية تظل مقيدة بسلاسل الشرطة والتعليم الديني هي التي تكفل وجود حكومة أبوية تعين على وفاء الشعب الأدبي والمادي.
وكان شبح الاشتراكية والتشاؤم الأحمر يثير الفزع في رجال الدولة في بلد تجهل الاشتراكية والريبييه، وكانت هوة سحيقة تقذف بين الأحرار والكاثوليك، فالنزعة الحرة في نظر الكاثوليك تعني ضياع الدين، ثم إن كل ضربة تصيب البابوية ينعكس صداها في الكنيسة وفي كل ما يهم الكنيسة، ويرى الكاثوليك أن الناس إذا تخلوا عن السير وراء الكنيسة تفسد أخلاقهم وكانوا يخشون التفكير الحر ويعتقدون أن سلطة الأب المطلقة هي وحدها التي تحفظ الشبيبة من عدوى الحركات الشائنة المشئومة.
وقد يكون التعليم ضارا إذا لم يشرف رجال الدين على التعليم الديني وإذا لم يجبر التلاميذ على التمسك بفكرة دينية واحدة، فالنكاح المدني مثلا يسهل الطلاق والطلاق يدنس الطقوس، فالدولة يجب عليها أن تراعي الفضيلة وفوق ذلك كله يجب أن تبقى البابوية في مقامها الرفيع مصدرا لكل سلطة، وبينما كان الكاثوليك في إيطالية يفكرون بما ذكرناه؛ كان الكاثوليك في العالم يعتبرون البابوية هي مؤسسة كاثوليكية أكثر مما هي إيطالية.
وكان رجال الدولة في العهد الرجعي يقولون أيضا بهذه النظريات، فالعلاقات الخارجية للاتحاد الكاثوليكي الملكي يجب أن تصبح حلفا جديدا ، وكانت مودينه وبارمه قد جددتا الاتفاقية الخارجية مع النمسة التي فرضتها عليها بالقوة، وكان فليكس فون شفارتسنبرج يرغب في أن يوسع هذه الاتفاقية بحيث يحولها إلى حلف سياسي يجمع كل الدول الرجعية في إيطالية، فتدخل النمسة فيه باعتبارها مالكة إيالات إيطالية ويستهدف منع الحلف القيام بعمل مشترك لمكافحة الأحرار والصحافة وتأسيس جيش اتحادي وأن يتعهد المتعاقدون بأن يؤسسوا حرسا وطنيا وأن لا يمنحوا حق الاجتماع وأن لا يقوموا بإصلاحات ما لم توافق عليها جميع الدول الداخلة في الحلف، وكان «بلداسيروني» رئيس وزراء طوسكانه في طليعة الرجعيين بالفكرة.
وأظهرت بارمه وروما استعدادهما للسير وراء بلداسيروني، بيد أن فرنسوا دوق مودينه لم يرحب بهذا المشروع. أما ملك نابولي فرفض الانضمام إليه رفضا باتا، وكان رفضه هذا ضربة قاضية على المشروع، وبما أن الاتفاق كان موجودا بالفعل بين النمسة والدوقيات؛ فإن الباب ظل مفتوحا لمن يريد أن يلجه، أما المواد الوحيدة التي روعيت في المشروع - باستثناء الاتحاد التجاري - فهي الاتفاق البريدي بمنح النمسة حق فتح مخابرات الوطنيين واتفاقية ربط السكك الحديدية بين طوسكانه ولمبارديه والروماني.
أما النظريات التي أيدها الاتفاق فكانت ذات نتائج إيجابية من الناحية الدينية، وكانت الكنيسة الكاثوليكية ضرورة لازمة لرجال الدولة الذين أدركوا ما في سلطة البابا من قوة يمتد سلطانها في كل أنحاء البلاد بواسطة الرهبان، ولكي تنال النمسة وطوسكانه حماية هذه السلطة فإنهما استعدا للتخلي عن الاستقلال الإكليروكسي وكانت طوسكانه أول من تنزلت عن هذا الحق، فوقع بلداسيروني في 25 نيسان 1851 اتفاقية تمنح روما جميع ما كانت تطلبه وبذلك ظفر الأساقفة بحرية المخابرة مع المقام البابوي ومنحت لهم سلطة الرقابة على جميع المؤلفات الدينية.
وسلكت النمسة الخطة نفسها وكانت الحكومة سنة 1850 قد منحت الأساقفة حرية المخابرة مع روما، ووعدت بأن تقدم السلطات المدنية مساعدتها للإكليروس في المحافظة على الضبط الديني في بعض الحالات، وأضحت الاتفاقية التي عقدت في سنة 1855 عهد خضوع تام للكنيسة؛ إذ جعلت الحكومة التعليم الكاثوليكي تحت إشراف الأساقفة في جميع المدارس الأولية والثانوية ومنحتهم حق الرقابة على المؤلفات اللاهوتية وحق القضاء في جميع الشئون الخاصة بالنكاح، واستمرت الكنيسة في سيرها الظافر حتى تناول سلطانها أخيرا مودينه، وبهذا يكون مشروع الحلف الرجعي العظيم قد أصاب بعض الفوز.
الفصل الحادي والعشرون
كافور
1850-1851
Página desconocida