استهل الكلام معها قائلا: «صحيح أن مركبتنا ربما لا تكون مريحة، لكني سأسعد جدا إذا قبلت ضيافتها.»
نظرت إليه الشابة نظرة خاطفة بعينيها الداكنتين، وخشي ييتس للحظة أن يكون قد استخدم ألفاظا أرقى من استيعابها الريفي البسيط، ولكن قبل أن يعدل عبارته، أجابت بإيجاز: «شكرا لك. أفضل المشي.» «حسنا، لا أستطيع القول إنني ألومك على ذلك. هل لي أن أسألك عما إذا كنت قد قطعت كل هذا الطريق من القرية؟» «نعم.» «تلك مسافة طويلة، ولا شك أنك متعبة جدا.» لم ترد الفتاة؛ لذا واصل ييتس كلامه قائلا: «أو على الأقل ظننتها مسافة طويلة، لكن ذلك ربما لأنني كنت راكبا على متن عربة بارتليت لنقل التبن. لا يوجد «سرير مريح ناعم» في عربته.»
وبينما كان يتحدث عن العربة، نظر إليها ثم مشى بخطوات واسعة إلى جوارها وقال بصوت هامس مبحوح للبروفيسور: «ستيلي، غط هذه الجرة بأحد ستاري الخيمة القماشيين.»
رد الآخر باقتضاب: «غطها بنفسك. إنها ليست جرتي.»
مد ييتس يده عبر العربة، وبحركة عابرة كأنه غير قاصد، ألقى بستار الخيمة القماشي فوق الجرة التي كانت واضحة للغاية. وليبرر حركته، أخذ عصا سيره من على العربة، واستدار نحو الفتاة التي عرفها منذ لحظات. كان سعيدا برؤيتها تسير متلكأة خلف العربة بمسافة ما، وسرعان ما انضم إليها مجددا. أسرعت الفتاة، التي كانت تنظر إلى الأمام مباشرة، وتيرة مشيتها آنذاك وسرعان ما قصرت المسافة بينها وبين العربة. قرر ييتس، بسرعة بديهته المميزة له، أن هذه إحدى حالات استحياء أهل الريف، وأن أفضل وسيلة لمواجهتها هو النزول بحديثه إلى مستوى ذكاء المستمعة.
سألها: «أكنت في السوق؟». «نعم.» «من أجل الزبد والبيض وما شابه؟»
أجابت قائلة: «نحن مزارعون، ونبيع الزبد والبيض» - ثم صمتت - «وما شابه.»
ضحك ييتس ضحكته المرحة المبتهجة. وبينما كان يلف عصاه، نظر إلى رفيقته الحسناء. كانت تحدق بقلق إلى الأمام نحو منعطف في الطريق. وكان وجهها الجميل متوردا قليلا، بسبب مجهود المشي بالتأكيد.
فأضاف النيويوركي: «والآن أصغي إلي، في بلدي، نقدس نساءنا. الفتيات الجميلات لا يقطعن مسافات طويلة شاقة على أقدامهن إلى السوق بالزبد والبيض.» «أليست الفتيات جميلات في بلدك؟»
قال ييتس في قرارة ذهنه إن تلك الفتاة ليست ريفية الطباع إلى الحد الذي ظنه في البداية. كانت المحادثة تتسم بطابع من اللذوعة الممتعة نال استحسانه. لكنه لم يكن متيقنا مما إذا كانت الفتاة تشاطره متعته أم لا؛ إذ لاحظ خطا طفيفا من الاستياء على جبينها الناعم. «إنهن جميلات بالطبع! أظن أن كل الفتيات الأمريكيات جميلات. يبدو أن ذلك حق يكتسبنه منذ الولادة. وحين أقول الأمريكيات، فأنا أقصد فتيات القارة كلها بالطبع. أنا شخصيا من الولايات المتحدة، من نيويورك .» ولف عصاه لفة أخرى وهو يقول ذلك، وتصرف بذلك السلوك المتعالي المتعمد الذي لا يتجزأ من طبيعة مواطني المدن الكبرى. «ولكن في الولايات المتحدة، نؤمن بأن الرجال ينبغي أن يؤدوا العمل كله، وأن النساء ينبغي أن ... حسنا، يستمتعن بإنفاق الأموال. ويجب أن أوفي نساءنا حقهن بالقول إنهن يلتزمن التزاما تاما بنصيبهن من تلك القسمة.» «إذن لا بد أنها بلد ممتع للنساء ليعشن فيه.» «كلهن يقلن ذلك. لقد اعتدنا لدينا قولا مأثورا مفاده أن أمريكا كانت جنة للنساء، ومطهرا من الآثام للرجال، و... حسنا، مكانا مختلفا تماما للثيران.»
Página desconocida