وارتضى الزجاج هذا القول، قال: لأن الله تعالى ذكر لموسى الفرقان فِي غير هذا الموضع، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨]، فعلى هذا القول الفرقان هو الكتاب، والكتاب هو الفرقان.
قال الزجاج: ويجوز أن يريد بالفرقان: انفراق البحر، وهو من عظيم الآيات، كأنه قيل: آتيناه فرق البحر.
وقال ابن عباس: أراد بالفرقان: النصر على الأعداء، لأن الله تعالى نصر موسى وقومه على عدوهم، وسمى نصره فرقا لأن فِي ذلك فرقا بين الحق والباطل، وقوله: لعلكم تهتدون أي: بما آتيناه من الكتاب.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ [البقرة: ٥٤] يعني الذين عبدوا العجل، يا قوم نداء مضاف حذف منه الياء، والمنادى إذا أضفته إلى نفسك جاز فِيهِ ثلاث لغات: حذف الياء، وإثباتها، وفتحها، فحذف الياء كقوله: ﴿يَا قَوْمِ﴾ [البقرة: ٥٤]، والإثبات كقوله: يَا عِبَادِي فَاتَّقُونِ، والفتح كقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ [الزمر: ٥٣] على قراءة من فتح الياء، والأجود الاكتفاء بالكسرة.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أي: نقصتم حظ أنفسكم، ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥٤] إلها، ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] ارجعوا إليه بالطاعة والتوحيد، والباري: الخالق، يقال: برأ الله الخلق.
أي: خلقهم.
وكان أبو عمرو يختلس حركة الهمزة فِي بارئكم كأنه يخفف الحركة ويقربها من الجزم، وسيبويه: يجوز تخفيف حركة الإعراب، وأنشد فِي ذلك:
وقد بدا هنك من المئزر