قوله: ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] هذا في تحمل الشهادة، وكل من دعي ليتحمل الشهادة وجب عليه ترك الإباء في قول قتادة والربيع.
وقال الشعبي: هذا إذا لم يوجد غيره، فيتعين عليه الإجابة، فإن وجد غيره ممن يتحمل الشهادة فهو مخير.
وقال آخرون: هذا في إقامة الشهادة.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: إذا استودعته ثم احتجت إلى شهادته فلا ينبغي له أن يتخلف عنك حتى يأتي معك إلى الحاكم فيؤديها.
وهذا قول مجاهد والسدي وسعيد بن جبير وعكرمة.
وقوله: ﴿وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] السآمة: الملال والضجر، يقال: سئمت الشيء أسأمة سأما وسآمة.
يقول: لا يمنعكم الضجر والملالة أن تكتبوا ما شهدتم عليه من الحق، صغر أو كبر، قل أو كثر.
﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أي: الكتاب، أقسط أعدل، عند الله لأن الله أمر به، واتباع أمره أعدل من تركه، ﴿وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أي: أبلغ في الاستقامة، لأن الكتاب يذكر الشهود، فتكون شهادتهم أقوم من لو شهدوا على ظن ومخيلة.
قوله: ﴿وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] أي: أقرب إلى أن لا تشكوا في مبلغ الحق والأجل.
وقوله: ﴿إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أي: إلا أن تقع تجارة حاضرة، ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فلا جناح في ترك الإشهاد والكتابة فيه، لأن ما يخاف في النساء والتأجيل يؤمن في البيع يدا بيد.
وقرأ عاصم ﴿تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] بالنصب، على تقدير: إلا أن تكون التجارةُ تجارةً حاضرةً، فأضمر الاسم لدلالة الخبر عليه، ومثله ما أنشد الفراء: