ولكن ماذا أقول عن المتعة التي سيحصل عليها الأدباء والدارسون؟ ومن ذا الذي يرتاب في أن العديد من الأشراف والأمراء ستنشرح نفوسهم من هذه المطالعة؟ ومن حق هؤلاء أكثر من سواهم أن يعرفوا أسرار هذا الجزء من العالم وخصائصه، وتفاصيل تلك المناطق وأقاليمها ومدنها، والعلاقات المتبادلة بين الأشراف وبين الأقوام التي تسكنها، حتى لو كانوا مطلعين، أو عرفوا بعض الحقائق من أشخاص آخرين سبق لهم أن جابوا هذه الأقطار، او قرأوا ما كتبه هؤلاء، أو استمعوا إلى ما سردوه عليهم، وكان لديهم بفضل ذلك فكرة مسبقة عن عدد هذه المواقع واتساعها، فإني لعلي يقين أنهم عند مطالعة هذا الكتاب، وبعد الإلمام بما يحتويه، وما هو معروض فيه، سيظهر لهم أن المعلومات التي لديهم تبدو بالمقارنة مع مكنونات هذا الكتاب، معلومات مبتسرة وناقصة وقليلة القيمة، تلك هي الثمرة التي سيجنيها القراء من هذا الكتاب والتي ستوفر لهم كل ما يحبون .
ولقد تردد مؤلفنا (يقصد جان ليون) كثيرا على قصور أمراء بلاد المغرب، كما اشترك معهم في عدة حملات حربية، في عصرنا، وسأروي عن حياته ما ورد عن أشخاص جديرين بالثقة من الذين عرفوه وترددوا عليه في روما.
لقد كان مغربيا مسلما، ولد في غرناطة، وعندما استولى الملك الكاثوليكي على هذه المملكة، كان هذا في جملة الذين التجأوا إلى بلاد المغرب مع أسرته، وأتم تحصيله بالعربية في مدينة فاس. وقد كتب في هذه اللغة عدة مؤلفات في علم التاريخ ولكنها لم تصل إلينا حتى الآن، فضلا عن كتاب في علم النحو يقول الأستاذ يعقوب مانتينو أنه بحوزته. ولقد جاب كل أرجاء الشمال الإفريقي، وبلاد السودان، وجزيرة العرب، وبلاد الشام، مسجلا كل ما رآه وما سمعه. وفي آخر مرحلة سقط في الأسر، في جزيرة جربه، في عهد البابا ليون، بواسطة أحد مراكب القرصان. وقد اقتيد إلى روما حيث قدم هدية لقداسته. ولما رآه البابا، وأدرك أنه يهتم بقضايا الجغرافيا، وأنه سبق أن ألف كتابا يحمله معه، أكرم وفادته وأثنى عليه كثيرا ومنحه مرتبات طيبة كي لا يغادر البلاد.
وبعدئذ ناشده أن يعتنق النصرانية وأوصله لذلك ومنحه اسميه جان وليون. وهكذا سكن ليون مدة طويلة في روما بعد ذلك. وتعلم فيها اللغة الإيطالية قراءة وكتابة وترجم كتابه من العربية قدر استطاعته. وهذا الكتاب الذي كتبه بيده وصل إلينا في أعقاب أحداث عديدة سيكون ذكرها نوعا من إسهاب. أما نحن فقد بذلنا أحسن عناية بإمكاننا وقد اجتهدنا في سبيل إخراجه للنور، بكل أمانة، على الصورة التي يقرأ فيها الآن.
Página 32