============================================================
ويقلل ما قلل الله، ويرفض ما أحب الله رفضه حتى تصح أحكامه، وتصدق نظرته في مسائل العلم : هذا علم الرجل في مسألة المال. فهل عمل به في خاصة نفسه؟ تروي المراجع أن أباه كان ذا مال كثير، وأنه مات والحارث يومئذ محتاج إلى دانق، ولكنه أبى أن يأخذ من مال أبيه شيئا وقال : ليس في اختلاف الملة توارث .
وكان أبوه واقفيا ولذلك كانت وصاياه حقا من قلب آمن بالحق وعمل به، لا سيما في أمور المال التي ولت فيها أقدام كثير من كبار العلماء.
3 - كان الرجل عالما، وكان يعلم سطوة العلم ومداها على العلماء، وكانت مواهبه تؤهله للتصدر والتعظيم والتبجيل، وكان خبيرا بأخلاق العلماء حينما يتعرضون لنقد النقاد، أو حيما يخرج عن رأيهم صحابتهم . وقد أوضح ذلك في حديثه عن آفات العلم في هذا الكتاب، فهل جنح المحاسبي عما رسمه للناس من طريق؟
روى ابن حجر العسقلاني عن أبي القاسم النصر اباذي . أن المحاسبي تكلم في شيء من الكلام فهجره الإمام أحمد بن حبل. فاختفى، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر: وفي هذا الحادث دلالة على طول مدة اختفائه، فلومات وهو حديث عهد بالاختفاء لاجتمع إليه أصحابه ومريدوه، أما أن يموت المحاسبي ولا يصلي عليه إلا أربعة نفر. فلا شك حينثذ في طول مدة اختفائه وإبعاده للناس من حوله، ليجنب نفسه آفة من آفات العلم، حين يختلف كبيران في الرأي، فيلجأ المعترض عليه إلى جمع عصابة من حوله تسفه رأي مخالفه، وتنفر الناس عنه . ولم يرو عنه في كتبه أنه رد على ابن حنبل أو انتقص من قدره، ولكنه عرض كثيرا بحب العلماء لاجتماع الناس حولهم وتعديل مذهبهم، وحبهم للثتاء، وربا كان ذلك هو السبب في كراهية آبي زرعة وغيره لهذا الرجل العظيم حيث قال عن كتبه : إنها كتب ضلالات وبدع.
وليس فيها من البدع والضلالات شيء . ولكنا دائما نضفي على آراء السلف
Página 44