تنبيه المؤمن الأواه بفضائل لا إله إلا الله
تنبيه المؤمن الأواه بفضائل لا إله إلا الله
Editorial
دار طوق النجاة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
Géneros
ـ[تنبيه المؤمن الأواه بفضائل لا إله إلا الله]ـ
المؤلف: أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل
مراجعة وتقديم: الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
الناشر: دار طوق النجاة
الطبعة: الأولى، ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Página desconocida
[تقريظ]
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير بقلم الدكتور هاشم محمد علي مهدي
- عافاه الله تعالى-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ..؛
* لا اله إلا الله أساس الدين.
* لا اله إلا الله علم اليقين.
* لا اله إلا الله مصدر التمكين.
* لا اله إلا الله بُشرى المؤمنين، انسهم وجنهم أجمعين.
* لا اله إلا الله ذِكْرُ الصالحين والمقربين في الملاء الأعلى إلى يوم الدين.
* لا اله إلا الله سر شفاعة الشافعين.
* لا اله إلا الله طوق نجاة الهالكين.
* لا اله إلا الله عدد الذاكرين بها والغافلين.
* لا اله إلا الله عدد العارفين بها والجاهلين.
* لا اله إلا الله عدد الأميين والكاتبين من آدم إلى يوم الدين.
* لا اله إلا الله حتى يرضي بها عنا رب العالمين.
1 / 6
* اللهم إنها اسمك الجامع لأسمائك، وصفتك الجامعة لصفاتك، فأخرج بها اللهم المؤمنين من الظلمات إلى النور، ومن الأحزان إلى السرور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ذل المعصية إلى عِزّ الطاعة، ومن الضيق إلى السعة، واجعل لا اله إلا الله عونًا ومعينًا لقائليها حتى يلقوك بها سالمين.
* لا اله إلا الله محمد رسول الله ﷺ، عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نُبعث إن شاء الله من الأمنين *
وصلى الله على سيدنا محمد أفضل من قال: لا اله إلا الله، وبها عَمِل، ولأجلها جاهد، وبها بشَّر واستبشر، وعلى آله وصحبه والقائلين بها إلى يوم المعاد والمحشر.
* تعال معي أيها القارئ نُحَلِّق في سماء لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نغوص في بحر لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نمشي في طريق لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نستظل تحت ظلال لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نذكر لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نُقبل على لا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ نفتتح أمور الدنيا والآخرة بلا اله إلا الله.
* تعال معي أيها القارئ لنمتلئ من ذِكْرِ لا اله إلا الله- فتكون لنا الغذاء والشفاء والهواء والماء- وكيف لا وقد جمعت فيها الآلاء.
1 / 7
* إن هاذا الكتاب الذي أعده الشريف الحسيب السيد أحمد بن يوسف ابن محمد الأهدل قد حوى الكثير من الجواهر الثمينة المكنونة من فضائل: لا اله إلا الله، التي هي أصل المعارف الدينية، ومحل العوارف اليقينية، لأن شرف العلوم على قدر شرف المعلوم، وشرف العالم على قدر شرف علمه. ولا شيء أشرف من الحق وطلبه. ولا شيء أشرف في الدنيا من معرفة الله وقربه. ولا شيء أشرف في الجنة من النظر إلى وجهه.
* ومعرفة الله هي الغاية القصوى. واللباب الأصفى. وإن بداية السالك طلب المعرفة. ونهاية غايته توحيد الذات والصفة. لأن معرفة الله غاية الغايات. وتوحيده أجل وأكمل النهايات.
* فلا اله إلا الله. هي أعلى شعب الإيمان، وعلى النطق بها بني الإسلام، وعلى قواعدها والعمل بمقتضاها بني الإيمان، وعلى فهم عقائدها والجمع بينهما بني الإحسان، ومن شهود شرفها يترقى إلى مبادي الإيقان، فقولها إسلام، وعملها إيمان، وفهمها إحسان، وتحققها إيقان.
* فالتوحيد هو العلم. والعمل أصل الإيمان. والإيمان هو التصديق. وكل تصديق بالقلب فهو علم. فإذا ثبت سمي توحيدا. فإذا رسخ سمي معرفة. فطوبى لمن انتشق عبيره. وذاق طعمه ولذيذ حلاوته.
فجزى الله المؤلف خير الجزاء حيث استخرج كنوزها، وأضاء مصابيحها، وجلَّى أسرارها، وكشف أستارها، ففاح عبيرها وانتشر، وسنا نورها ظهر وبهر. نسأل الله لنا وله والمؤمنين بها: (جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ). [القمر:٥٤،٥٥].
1 / 8
فالحمد لله الكبير الأكبر، وصلى الله على عبده سيدنا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الذي عرف لا اله إلا الله عدد ما أظهر الله من علومها وستر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. هاشم محمد علي مهدي
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ فضيلة العلامة الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد
- عافاه الله تعالى-
هنيئًا أخا الأفضال من نسل أهدل ... بهاذا الحديث العذب أهداكه الله
هنيئًا على هاذا الحديث وحيثما ... كتبت فالبتوفيق للقول تغشاه
ولا سيما تنبيهك العذب مؤمنا ... لدائرة الإيمان قول هو الله
أتيت بفصل القول والفضل كله ... لهاذا اليراع الصب في مدح مولاه
فما كتب الكُتَّاب في سر كلمة ... أتانا بها المختار طوعا لرباه
كما كتب الأستاذ أحمد يوسفٍ ... ولا غرو من نور النبوة سقياه
فدم وارتشف واكتب بنور محمد ... ومن نبعك الفياض عذبا شربناه
رعاك إله العرش في كل ساعة ... وفي كل مسطور لمن هو أوَّاه
1 / 10
تقريظ فضيلة العلامة الشيخ ماجد مدير المدرسة الصولتية
بسم الله الرحمان الرحيم
تقريظ فضيلة العلامة الدكتور حسن محمد الأهدل
نائب رئيس جامعة صنعاء سابقًا
- عافاه الله تعالى-
الحمد لله الذي شهد لنفسه بأنه الله لا إله إلا هو، وشهدت ملائكته بذلك، وشهد ألو العلم، فهو وحده المتفرد بالألوهية والعبودية بحق لا أحد سواه، نحمده أن أرشدنا لذكره بأفضل أسمائه وبكلمة التوحيد، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس وجعلنا أمة وسطًا.
ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فلقد اطلعت على ما كتبه الأخ السيد العلامة أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل في رسالته الموسومة «بتبيه المؤمن الأوَّاه بفضائل لا اله إلا الله». فوجدته قد أبدع وأفاد فيها كثيرًا بما جمعه من فضائل هذه الكلمة التي قام عليها أمر الكون وأمر الدنيا والآخرة وأكملها بفضائل شهادة أن محمدًا رسول الله المكملة لمعنى التوحيد والمحققة للإيمان والتي لا يقبل الله من المسلم إيمان إلا بها.
1 / 12
فجزاه الله خيرًا على ما قدم من خير للناس وعمل يهتدون به ويعملون بمعنى هذه الكلمة الطيبة المباركة فيتحقق لهم ما يرجون من الله من معاني هذه الكلمة وبذكرها في كل لحظة ونفس يكتب الله لهم الحسنات والخير المستمر الدائم، فبارك الله فيه وفي عمله وعلمه ونفع به الإسلام والمسلمين.
ونسأل الله التوفيق للجميع لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...
1 / 13
بسم الله الرحمان الرحيم
المقدمة
الحمد لله المتفرد بالكمال، المتوحد بصفات الجلال، المنزه عن الشركاء والأمثال، الذي لا يعبد بحق في الوجود إلا إياه، الكريم الذي من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن سأله أعطاه ما تمناه، هادي الحائرين، وواصل المنقطعين، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة بها النفوس مطمئنة، وهي لقائلها من النار جُنة، شهادة تصلح القلب واللسان من فساد الأفعال، شهادة أدخرها لهول السؤال.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الذي بصرنا من العمى وهدانا من الضلال، وبعثه مولاه بما يؤيد به كلمة الدين على التفصيل والإجمال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه بالغدو والآصال .. آمين
أما بعد: فإن أهمّ مباني الإسلام الحنيف وعماد الدين الحق: هو «شهادة أن لا اله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ﷺ»
فالعبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية.
المتمثل في شهادة: أن لا اله إلا الله.
والتلقي عن رسول الله ﷺ في كيفية هذه العبودية - هي شطرها الثاني- المتمثل في شهادة: أن محمدًا رسول الله ﷺ.
1 / 14
والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطريها، فهي باب الدخول في الإسلام، وسُلم الرقاية للإيمان، ومعراج القلوب والأرواح إلى رب الأكوان، الرحيم الرحمان، لأن كل ما بعدها من مقومات الإيمان، وأركان الإسلام، إنما هو مقتضى لها، فالإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وكذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم الحدود والتعازير والحل والحرمة والمعاملات والتشريعات والتوجيهات الإسلامية .. إنما تقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده، كما أن المرجع فيها كلها هو مابلغه لنا رسول الله ﷺ عن ربه.
فهاتان الشهادتان هما كنز المؤمن ورأس ماله ومرجع سعادته في الدنيا والآخرة.
هاذا وقد تتبعت فضائل: «لا اله إلا الله» فوجدتها من أحسن ما يجمع لي ولإخواني المسلمين.
فجمعتها في رسالة صغيرة الحجم كبيرة النفع بأذن الله تعالى، ومقصودي من ذلك، تعليمًا للجاهل، وتنبيهًا للغافل، وتذكيرًا للعاقل، وأسميتها: «تنبيه المؤمن الآوَّاه بفضائل لا اله إلا الله».
وقد رتبت هذه الرسالة على النحو الآتي:
أولًا: ذكرت بأن التوحيد أعظم نعمة.
ثانيًا: ذكرت الأحاديث التي تشير إلى بشارة أهل التوحيد بالنجاة من النار والفوز بالجنة.
ثالثًا: وضحت ورفعت الإشكال عن أحاديث هاذا الباب.
1 / 15
رابعًا: ذكرت حقيقة محبة الله تعالى.
خامسًا: ذكرت الثمرة لهذه المحبة.
سادسًا: أشرت إلى أن الإكثار من ذكر «لا اله إلا الله» يورث الطاعة ويوجب المغفرة.
سابعًا: شرعت في فضائل «لا اله إلا الله».
وقسمتها إلى قسمين:
القسم الأول: الآيات الواردة في فضلها والتنويه بها.
القسم الثاني: الأحاديث الواردة في فضلها.
ثم ذكرت مختصر فوائد «لا اله إلا الله».
ثامنًا: ذكرت المواطن والأزمان التي يستحب المواظبة فيها على قول: «لا اله إلا الله».
تاسعًا: أشرت إلى ارتباط «لا اله إلا الله» بـ «محمد رسول الله ﷺ» وارتباط ذكره بالصلاة عليه ﷺ، ومعنى الصلاة عليه ﷺ.
عاشرًا: بينت المقصود بالصلاة على النبي ﷺ.
حادي عشر: ذكرت مواطن الصلاة على النبي ﷺ.
ثاني عشر: شرعت في فضائل الصلاة على النبي ﷺ.
ثالث عشر: ذكرت الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبيصلى الله عليه وسلم
ثم الخاتمة. أسأل الله تعالى حسنها.
1 / 16
هاذا والله أسأل أن يجعل ما جمعت ورتبت خالصًا لوجهه الكريم، ونافعًا لي ولإخواني المسلمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين ..؛
وكتبه
راجي رحمة ربه الأجل
أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل
1 / 17
بسم الله الرحمان الرحيم
التوحيد أعظم النعم
اعلم أن التوحيد أعظم النعم وأكبرها، وأنفعها في الدنيا والآخرة، فعلى من أنعم الله عليه به أن يعرف قدر تلك النعمة، ويسعى في حفظها ورعايتها، ودوام الشكر عليها، وأن يجتهد في تقوية توحيده، بملازمة الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة.
واعلم أن للشهادتين أثرًا عظيمًا في تهذيب النفوس وتقويم الأخلاق، وتقوية الرابطة الاجتماعية.
فإن في شهادة «لا اله إلا الله» تحرير العقول من الأوهام، وتطهيرًا للنفوس من أدران الشرك، وسمُوًَّا بها من حضيض العبودية لغير الله تعالى، ومن الانحطاط إلى رذيلة عبادة الأصنام والحيوان والإنسان. وبها جمعُ القلوب على معبود واحد، وتوجيه الوجوه إلى قبلة واحدة. ولهاذا التوحيد أثره الطيب في جمع القلوب وتعاون بنى الإنسان على الخير والصلاح.
كما أن شهادة «أن محمدًا رسول الله»، والإيمان برسالته ﷺ وكتابه القويم تقوية للأخلاق، وإصلاحًا للنفوس، وأسوة حسنة في جميع الشئون.
فهاتان الكلمتان هما كنز المؤمن ورأس ماله، ومرجع سعادته في الدنيا والآخرة لمن تحقق بمقتضاهما، واستنار بسناهما فيما يلزمه في جانب
1 / 18
التوحيد. وفيما يلزمه من جانب الإتّبَاع لرسول الله الأكرم ﷺ. فعلى قطب هاتين الشهادتين يدور صلاح الإنسان في الدارين (١).
... فالإيمان بهما هو أصل الأصول وأنفس النفائس، وأعز الأشياء، وهو مع ذلك أشدها خطرًا، وأشقها حفظًا، وأحوجها إلى حُسن التعهُّد والتفقد، وحُسن النظر والاحتياط، وكل عزيز ونفيس فعلى مثل ذلك يكون ويوجد. ولا يزال المؤمن الشفيق على دينه، المحتاج لإيمانه ويقينه سائلًا الله ومتضرعًا إليه: في أن يُثَبِّته على دينه وإيمانه، وأن لا يُزيغ قلبه بعد إذ هداه إلى توحيده ومعرفته، وأن يكون خائفًا من سلب ذلك وتزلزله. وقد كان بعض السلف يحلف بالله إنه ما أمِنَ أحدٌ على إيمانه أن يُسلَبه إلا سُلِبَه.
فالأمر الذي عليه المدار والتعويل والذي لا ينبغي لعاقلٍ من أهل الإيمان: أن يكون أعظم اهتمامًا به وأشد حرصًا عليه وسعيًا له من سلامة التوحيد وحفظ الإيمان حتى يموت ويخرج من الدنيا على ذلك بفضل الله وحسن تأييده وتثبيته؛ فإنه إن خرج من الدنيا على ذلك سلم من الشر كله وفاز بالخير كله دائمًا أبدًا. وإن خرج من الدنيا على خلاف ذلك خسر خسرانًا مبينًا، وهلك هلاكًا مؤبدًا والعياذ بالله!
... ففقدُ التوحيد والإيمان هو الذي لا ينفع مع فقده شيء بحال كائنًا ذلك الشيء ماكان، وإذا بقي مع العبد توحيدُه وإيمانه وسلما له، فليس يضرّه شيء ولو كان عاصيًا مذنبًا، فإما أن يغفر الله له، أو يعفو عنه، وإن عاقبه على ذنبه
_________
(١) انظر مفتاح الجنة - للسيد أحمد مشهور بن طه الحداد - رحمه الله تعالى - (ص٥٣ - ٥٤) بتصرف.
1 / 19
كانت عقوبة منقضية غير مخلِّدة ولا مؤبدة؛ فإنه لا يخلّد في النار مؤمن، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال أدنى ذرّة من إيمان.
وقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يموتوا على الإيمان والإسلام، ووصف أنبياءه ورسله والصالحين من عباده: بأنهم يسألونه ذلك، ويدعونه به، ويتواصون به حرصًا عليه وإعظامًا له واغتباطًا به؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١).
وقال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). [البقرة:١٣٢].
وقال تعالى حكاية عن يوسف ﵊: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٢).
وقال تعالى إخبارًا عن المؤمنين من السحرة حين توعدهم فرعون لعنه الله: (وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) (٣).الأعراف:١٢٦)
_________
(١) سورة آل عمران: الآية: (١٠٢).
(٢) سورة يوسف: الآية١٠١).
(٣) انظر الدعوة التامة والتذكرة العامة للإمام شيخ الإسلام الحبيب عبد الله بن علوي الحداد - رحمه الله تعالى - (ص٢٠٥ - ٢٠٦) بتصرفٍ.
1 / 20
أحاديث في بشارة أهل التوحيد بالنجاة من النار والفوز بالجنة
وقد وردت الأحاديث الكثيرة الشهيرة عن رسول الله ﷺ في بشارة أهل التوحيد والإيمان، ومن مات وهو لا يشرك بالله شيئًا بالنجاة من النار والفوز بالجنة. ومنها الأحاديث التالية:
الحديث الأول
في الصحيحين: عَنْ أَنَس بن مالكٍ ﵁: أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ لمُعاذ وهو رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ: «يا مُعاذُ بنَ جَبَلٍ».قال: لَبَّيكَ يا رسولَ الله وسَعدَيكَ. قال: «يا مُعاذُ». قال: لبَّيكَ يا رسولَ الله وسَعدَيك (ثلاثًا).قال ﷺ: «ما مِنْ أَحَدٍ يَشهدُ أنْ لا اله إلا الله وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ الله، صِدْقًا مِن قَلبِه إِلاّ حرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار».قال ﵁: يا رسولَ الله أَفَلا أُخبرُ بهِ النّاسَ فيَسْتَبْشِروا؟ قال ﷺ: «إِذًا يَتَّكِلوا». وأَخبرَ بها مُعاذٌ عندَ مَوتِه تَأثُّمًا (١). يعني خروجًا من إثم كتم العلم.
الحديث الثاني
روى مسلم في صحيحه: عن عبادة بن الصامت ﵁، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لا اله إلا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ» (٢).
_________
(١) رواه البخاري - كتاب العلم - باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا - (ج١/ص٤٧).ورواه مسلم - كتاب الإيمان - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا- (١/ ٤٥).واللفظ للبخاري.
(٢) ورواه مسلم - كتاب الإيمان - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا-
(١/ ٤٢) من حديث عبادة بن الصامت ﵁.
1 / 21
الحديث الثالث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، قَالُوا يَا رَسُولَ الله لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا (١) فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «افْعَلُوا»، قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ اللَّهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: رَسُولُ الله ﷺ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَدَعَا بِنِطَعٍ (٢) فَبَسَطَهُ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، قَالَ وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، قَالَ وَيَجِيءُ الآخَرُ بِكِسْرَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ الله ﷺ عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ»، قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلاَّ مَلَئُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَِلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «أَشْهَدُ أَنْ لا اله إلا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ» (٣).
وفي رواية: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ ﷺ: «أَشْهَدُ أَنْ لا اله إلا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ». (٤).
_________
(١) نَوَاضِحَنَا: النَّوَاضِح مِنْ الإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، الذَّكَر مِنْهَا نَاضِح وَالأُنْثَى نَاضِحَة. انظر شرح مسلم للنووي.
(٢) بِنِطَعٍ: النطع بساط متخذ من أديم. انظر حاشية مسلم (١/ ٤٢).
(٣) رواه مسلم-كتاب الإيمان-باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (١/ ٤٢)
(٤) المصدر السابق (ج١/ص٤١).
1 / 22
الحديث الرابع
عن عُبادةَ بن الصامت، ﵁، عن النبيِّ ﷺ قال: «مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا اله إلا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ». (١).
الحديث الخامس
عن أبي ذرٍّ ﵁ قال: أتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقالَ: «ما مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا اله إلا الله ثُمَّ ماتَ عَلى ذلِكَ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّة». قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ؟» قُلْتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أبِي ذَرٍّ». وكانَ أبُو ذَرٍّ إذا حَدَّثَ بِهاذا قَالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ. (٢).
_________
(١) رواه البخاري - كتاب أحاديث الأنبياء- باب قوله ﷿: (يا أهلَ الكتاب لا تَغلوا في دينكم ولا تَقولوا على اللهِ إلا الحق ..) - (ج٤/ص١٦٨). ورواه مسلم - كتاب الإيمان - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا- (١/ ٤٢)
(٢) رواه البخاري - كتاب اللباس- باب الثياب البيض - (ج٧/ص٥٥).
1 / 23
رفع الإشكال عن أحاديث هاذا الباب
تشير الأحاديث السابقة إلى عَدَم دُخُول جَمِيع مَنْ شَهِدَ الشَّهَادَتَيْنِ النَّار لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيم وَالتَّأْكِيد، لَكِنْ دَلَّتْ الأَدِلَّة الْقَطْعِيَّة عِنْد أَهْل السُّنَّة عَلَى أَنَّ طَائِفَة مِنْ عُصَاة الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِره غَيْر مُرَاد، وَلأَجْلِ خَفَاء ذَلِكَ تعين بِهاذا رَفْع الإِشْكَال عَنْ ظَاهِر الْخَبَر.
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْ رَفْع الإِشْكَال عَنْ ظَاهِر الْخَبَر بِأَجْوِبَةٍ كثيرة، نذكر توضيح ما أجابوا به في الأتي:
أولًا- الأحَادِيثُ التِي تُفِيدُ أنَّ مَنْ أتى بالشهادتين دَخَلَ الجَنَةَ ولم يُحجب عنها. وهاذا ظاهر، فإن مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّة قَطْعًا عَلَى كُلّ حَال.
واليك التفصل:
أ- مَنْ مَاتَ وكَانَ سَالِمًا مِنْ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُون، وَالتَّائِب تَوْبَة صَحِيحَة مِنْ الشِّرْك أَوْ غَيْره مِنْ الْمَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِث مَعْصِيَة بَعْد تَوْبَته، وَالْمُوَفَّق الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا، فَكُلّ هاذا الصِّنْف يَدْخُلُونَ الْجَنَّة، وَلا يَدْخُلُونَ النَّار أَصْلًا، لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا عَلَى الْخِلاف الْمَعْرُوف فِي الْوُرُود. وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّم. أَعَاذَنَا اللَّه مِنْهَا وَمِنْ سَائِر الْمَكْرُوه.
ب- وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَعْصِيَة كَبِيرَة وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَة فَهُوَ فِي مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى: فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة أَوَّلًا وَجَعَلَهُ كَالْقِسْمِ الأَوَّل، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدهُ ﷾، ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّة فَلا يَخْلُد فِي النَّار أَحَد مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد وَلَوْ عَمِلَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ. كَمَا أَنَّهُ لاَ يَدْخُل
1 / 24
الْجَنَّة أَحَد مَاتَ عَلَى الْكُفْر وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ مَا عَمِلَ. وحَديثُ أبي ذَرٍّ ﵁ معناه: أن الزنى والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد وهاذا حق لا مِرْيَة فيه ليس فيه أنه لا يُعَذَبُ عليهما مع التوحيدِ.
ثانيًا: الأحاديث التِي تُفِيدُ أنَّ مَنْ أتى بالشهادتين بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار، وهاذا قد حَمَلهُ بعضهم عَلَى تَحْرِيم خُلُوده فِيهَا لا أَصْل دُخُولهَا. أو أَنَّ الْمُرَاد النَّار الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ لا الطَّبَقَة الَّتِي أُفْرِدَتْ لِعُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ. أو أَنَّ الْمُرَاد بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار حُرْمَة جُمْلَته لأَنَّ النَّار لا تَأْكُل مَوَاضِع السُّجُود مِنْ الْمُسْلِم كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث الشَّفَاعَة أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم عَلَيْهَا، وَكَذَا لِسَانه النَّاطِق بِالتَّوْحِيدِ. هاذا مُخْتَصَر جَامِع لِمَذْهَبِ أَهْل السنة من السلف والخلف. واللَّه تَعَالَى أعلم .. (١).
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْ الإِشْكَال أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى:
قالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث أنَّ لا اله إلا الله سببٌ لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع وهاذا قول الحسن ووهب ابن منبه. (٢).اهـ
_________
(١) انظر شرح مسلم للإمام النووي-كتاب الايمان - (١/ ٢١٧). وانظر فتح الباري - كتاب العلم- (١/ ٢٩٩) - وانظر كلمة الإخلاص - للحافظ ابن رجب الحنبلي ﵀ (ص ٩و١٠) - وانظر حديقة الأبرار شرح بهجة الأنوار لشيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي- رحمه الله تعالى- (ص٤١٥) مخطوط.
(٢) انظر كلمة الإخلاص - للحافظ عبد الرحمان ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى- (ص٩)
1 / 25