Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
لم يكن هذا هو تصوري بشأن الأقباط فقط، ولكن أيضا عندما سمعت خطب يوم الجمعة في المساجد المحلية المزودة بمكبرات الصوت. وبدا أن كل سائق تاكسي يشغل القرآن على مشغل الكاسيت الخاص به، وأحيانا يعلق، وكأنه خبير، على جودة صوت القارئ. في حفل موسيقي صوفي، أثار المغني الرئيسي، الذي تختفي عيناه خلف نظارات داكنة، تصفيقا حارا، ودخل بعض مستمعيه في حالة نشوة. كان هذا التغلغل للدين يعني أن الاختلافات الدينية كانت، أيضا، واضحة. وفي مرات عديدة عندما كنت أسير في شوارع القاهرة، كان الناس يأتون إلي ويسألونني عن فريق كرة القدم الذي أشجعه. وفي بضع مرات كانوا بدلا من ذلك يسألون - بالقدر نفسه من الحماس على ما يبدو - إن كنت مسلما أو مسيحيا. أخبرتني معلمتي للغة العربية أن الناس كانوا يسألونها السؤال نفسه، ولكن بطريقة غير مباشرة. كانوا يسألونها عن اسمها، ثم اسم والدها. (وبوصفها مسلمة ليبرالية، كانت تمشيا مع مبادئها الشخصية تتهرب من أسئلتهم؛ إذ كانت تشعر بأنه ينبغي أن يكون للناس الحق في الحفاظ على خصوصية دينهم.) وكان للأقباط طريقتهم الخاصة في طرح السؤال ذاته. ففي مرة في متجر محلي كبير، كشف الصراف عن معصمه خلسة لي، وأظهر وشما على شكل صليب.
كانت تلك الاختلافات تعبر عن نفسها بعنف من وقت لآخر أثناء إقامتي في مصر. منعتني السفارة من زيارة أجزاء من جنوب مصر، وخاصة مدينة المنيا، بسبب الجماعات الإرهابية الإسلامية التي كانت تهاجم قوات الأمن والمسيحيين المحليين هناك. في سبتمبر من سنة 1997، عندما كنت في الإسكندرية مع أصدقاء من كنيسة سانت تريزا، رأيت على شاشة التلفزيون مقتل سائحين ألمانيين رميا بالرصاص في ميدان التحرير. كانت أول مواجهة لي مع الإرهاب. قال سميح: «لا تخف يا جيرارد. إنه القدر. لا بد أن نموت جميعا في يومنا الموعود.» لكنني لم أشعر بالارتياح. وبعد شهرين قتل اثنان وستون شخصا في مذبحة في الأقصر نفذها إرهابيون مسلحون بالبنادق والسكاكين. وكان من بين الضحايا طفل عمره خمس سنوات. وعثر لاحقا على ملاحظة تمدح الإسلام في جسد منزوع الأحشاء لأحد الضحايا.
ومع ذلك، تخللت هذه الأحداث الرهيبة رسائل تذكير عرضية عن نهج من التعايش يتميز بمزيد من الإنسانية. منها، على سبيل المثال، الهجوم الذي حدث في ميدان التحرير، والذي جعلني أشعر بخوف شديد عندما رأيته في الأخبار في الإسكندرية. فقد هرب الرجال الذين نفذوه بعد ذلك، أو هكذا قرأت، إلى منطقة مجاورة تسمى بولاق أبو العلا. ووفر أهالي المنطقة الحماية للقتلة. وتصادف أنني كنت أعرف هذا المكان. كان من المناطق المفضلة لدي للسير فيها، حيث تضيء مشاعل الماغنيسيوم التي يستخدمها اللحامون المباني ذات الطراز الاستعماري التي كانت فخمة يوما ما، وغبار وأوساخ الطرق المهملة فيما بينها. لكن كاهن هذه المنطقة، وهو رجل ضخم في كنيسة إيطالية ضخمة، أخبرني أن المسلمين هناك كانوا إخوته، وقال إنه لم يكن لديه أي مشكلة معهم. وكان الأقباط يترددون على الكنيسة دون أن يتعرضوا لأي مضايقات على الإطلاق. وأثناء خروجي من الحي، مررت بسوق شعبي لبيع الملابس. هنا كان يوجد أناس من كل الأنواع: رجال يعتمرون العمائم، ورجال يرتدون سترات، وجينز، وأردية عمل سابغة؛ نساء محجبات، ونساء غير محجبات، وامرأة فقيرة للغاية حتى إنها لم تكن تستطيع تحمل ثمن الحجاب، وضعت صندوقا من الكرتون حول رأسها ليقيها من الشمس، وفتاة ذات شعر طويل مضفر تعلم أخاها الصغير كيفية رشم الصليب.
غادرت مصر عام 1998 ولم أعد إلا نادرا ولأوقات وجيزة. ثم في عام 2011 رأيت ميدان التحرير في الأخبار مرة أخرى. كان الشعب المصري قد احتشد هناك لإسقاط الرئيس. ووقف المسيحيون والأصوليون الإسلاميون متكاتفين. واعتدت على المتظاهرين عصابات مأجورة. وتنحى الرئيس حسني مبارك. وتولى المجلس العسكري الحكم. واندلعت مواجهات بين مسيحيين ومسلمين. وتعرضت بعض الكنائس للهجوم. وقتل عديد من المسيحيين. كنت قد خططت للذهاب إلى مصر على أي حال، من أجل هذا الكتاب، وبدا أن القيام بالرحلة في ذلك الوقت أنسب من أي وقت آخر. •••
عندما هبطت الطائرة في القاهرة في مارس 2011، تطلعت إلى مدينة أتذكرها جيدا. كان بإمكاني رؤية قصور الأغنياء في ضاحية مصر الجديدة الشمالية الهادئة، واستطعت أن أرى أفقر فقراء القاهرة، سكان نهر النيل الذين لا يملكون بيوتا إلا زوارقهم الصغيرة المكشوفة، وهم يتأرجحون فيها كل مساء بسبب ارتداد الماء عن القوارب السياحية الفاخرة. مررت في الطريق من المطار بثكنات عسكرية ضخمة عليها جداريات تظهر انتصارات الجيوش الفرعونية المصرية؛ ثم تحول الطريق إلى جسر عملاق، ومررت بسرعة فوق الصروح القاتمة للدولة، ووزاراتها، ومحطة القطار الرئيسية. ثم مررت بقباب الكاتدرائية القبطية وبجانبها مسجد، وتساءلت: هل كان هذا تضامنا، أم تنافسا؟
كان فندقي، الواقع على جزيرة في النيل تسمى الزمالك، أثرا مهترئا من ماضي القاهرة البهي ولكنه كان مريحا. وكان مهندس معماري متقاعد يجلس بطريقة غريبة على كرسي باهت في الردهة وبدا أنه يملي رسائل مختلفة، عادة رسائل شكوى، على موظف خدوم. خارج الفندق، كان مجموعة من الشابات المحجبات يرسمن على الجدران لوحة تمثل سلطة الشعب. وبينما كنت أسير في الشارع لاحظت اللافتات على المحلات والجدران. أعلنت إحداها باللغة الإنجليزية عن العملة الليبية بسعرها المنخفض الجديد بينما كان الحلفاء الغربيون والعرب يهددون بشن حرب: «الدينار الليبي سعر البيع 2، سعر الشراء 3,65.» وعلى لافتة أخرى كان مكتوبا باللغة العربية: «بسم الله: يوجد الكثير من رجال الشرطة الشرفاء. دعونا نحتف بشرطتنا.» وكانت لافتة ثالثة، على باب متجر، أكثر وضوحا، وتحتوي على كلمة واحدة فقط بأحرف لامعة: «فياجرا».
ظهرت جزيرة الزمالك على نهر النيل منذ ما يزيد قليلا عن قرن من الزمان، وقد تكونت من الطمي الذي كان يجرفه ماء النهر عاما بعد عام، والذي كان سببا في خصوبة وادي النيل. (بعد بناء السد على النيل عام 1970، توقف الطمي عن التدفق. وكذلك انتهى «ارتفاع منسوب المياه» - أي الانحسار والفيضان السنوي للنهر.) استقطبت الزمالك الطبقات العليا التي بنت عليها القصور والحدائق التي أصبحت الآن هشة وباهتة. ركبت سيارة أجرة لعبور الكوبري متجها إلى المناطق الأقدم في القاهرة، التي تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل. أثناء عبورنا النيل، أشار السائق بفخر إلى الهيكل المحترق لمقر الحزب الحاكم السابق، القابع على حافة النهر. وصرح مقدم برامج في الإذاعة: «يمكننا الآن التحدث عن الفساد في المجتمع بحرية!»
كنت متوجها إلى المتحف المصري، وهو مبنى متواضع مغطى بجص وردي وعالق بين جسر خرساني متعدد الأدوار وميدان التحرير الفسيح. يزور هذا المتحف كل يوم الآلاف من الناس لمشاهدة 165 ألف قطعة أثرية ما بين تماثيل كبيرة وصغيرة، وتوابيت، ومومياوات. وفرت السياحة في عام 2009 فرص عمل لما يصل إلى اثني عشر بالمائة من القوة العاملة المصرية، لكن المتحف المصري كان دائما أكثر من مجرد مصدر للمال. إنه نصب تذكاري للهوية المصرية. ويوجد على جداره الأمامي رمز آخر؛ قائمة طويلة من الأسرات التي حكمت مصر، وكأنها تقول للمصريين: «كان يحكمكم الملوك دائما.» وفي مصر الثورية عام 2011، كان المتحف هو المكان الوحيد الذي ما زال يحظى فيه الحكام المستبدون بشعبية كبيرة، على الرغم من أنهم موتى ومحنطون.
وبدلا من اللعنات والفخاخ المعقدة لدرء المتسللين، كان طارق العوضي، مدير المتحف، وصيا على المومياوات. وجدته في مكتبه في قبو المتحف. كان مكتبه محاطا بمجموعة من الساعات المذهبة المزخرفة، وكل منها يظهر وقتا مختلفا. كنت قد جئت لأسأله عن التاريخ. قال العوضي: «المصريون منفصلون عن ماضيهم. ويشعرون أنه ليس لديهم أي شيء مشترك معه.» وأوضح أن المنهج الدراسي قسم التاريخ إلى عصور: الفرعوني، والقبطي، والإسلامي. وقد حظي العصر الإسلامي بأكبر قدر من الاهتمام. لكن العوضي كان يرى أن معرفة المزيد عن العصور السابقة يمكن أن يساعد في تعزيز وحدة المصريين كشعب. وبوصفه مسلما، شعر أن الماضي القديم للبلاد كان تراثا مشتركا بين المسيحيين والمسلمين: «المجتمع في بلدنا متماسك وإن كان فيه أكثر من دين، والعادات واللغة وحتى بعض التقاليد الدينية متماثلة عند جميع المصريين، ومختلفة عنها عند العرب.» لكن لعقود عديدة، قيل للمصريين إنهم عرب. ولذلك، على حد قول العوضي: «يتساءل المصريون: من نحن؟ هل نحن عرب أم مصريون؟»
بعد مقابلتي مع العوضي، تجولت في قاعات المتحف، وألقيت نظرة على دمى ونماذج لسفن وتماثيل الأوشابتي (الجنائزية) الصغيرة التي بدت كأنها قد صنعت أمس، حيث كانت محفوظة بشكل مثالي. ومنحني هذا شعورا غريبا؛ كما لو أن ستار الزمن قد صار رقيقا بطريقة ما، وقد يخطو الفراعنة المحنطون من خلاله ويعودون للحياة في العصر الحديث. من المؤكد أن المصريين كانوا يتوقعون أن تعود أجسادهم إلى الحياة مرة أخرى، وهو أمر لم يتنبأ بحدوثه معظم الشعوب القديمة الأخرى. على سبيل المثال، عندما ينزل جلجامش الملك في الملحمة العراقية تحت الأرض للبحث عن صديقه الميت إنكيدو، يلتقي ظلالا، لا أشخاصا من لحم ودم. أو كما يقول: «تحول إنكيدو إلى صلصال!»
Página desconocida