Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
كان المسلمون المبتدعة يكنون احتراما أكبر لليونانيين. وكانت مجموعة سرية من المسلمين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «إخوان الصفا» وعاشوا في جنوب العراق في القرن العاشر، تكن، هي الأخرى، توقيرا عظيما لفيثاغورس (استنكر العالم المحافظ ابن تيمية كتاباتهم ووصفها بأنها «بضع فتات بلا طعم من فلسفة فيثاغورس»). وتماما مثل أتباعه الفيثاغوريين، شعروا أن الكون مبني على الرياضيات؛ فعلى حد تعبيرهم «طبيعة الموجودات بحسب طبيعة العدد». ويهتم الدروز أيضا بالفلاسفة العظام، وبخاصة بعضهم وليس بالضرورة أشهرهم في الغرب. ووفقا للمؤرخة الدرزية نجلاء أبو عز الدين في كتاب صدر عام 1984، فإن «العقيدة الدرزية تتجاوز عقائد التوحيد التقليدية المعترف بها وصولا إلى تعبيرات أسبق عن بحث الإنسان عن التواصل مع الواحد. ومن هنا كان تقديسها لهيرميس، حامل الرسالة الإلهية، ولفيثاغورس ... ولأفلاطون المقدس، ولأفلوطين.» أثارت ثلاثة أشياء في هذه الجملة اهتمامي عندما قرأتها في غرفتي في هارفارد بينما كنت أستعد لرحلتي إلى لبنان. من كان هيرميس؟ ولماذا كان أفلاطون «مقدسا»؟ ولماذا كان فيثاغورس وأفلوطين مهمين جدا؟ سيصبح كل شيء في النهاية واضحا، أو أوضح، على أي حال.
عندما التقيت بالزعماء الدينيين الإيزيديين في لالش، أخبروني أن الدروز يشبهونهم؛ وأضاف أحدهم: «حتى إنهم لديهم نوعية الشوارب نفسها.» وأخبرني أحد الأساتذة الجامعيين الدرزيين خلال مدة وجودي في لبنان أن علاقة الدروز بالإسلام كانت مثل علاقة المورمون بالمسيحية. فلديهم وحيهم وفلسفتهم اللذان قد يعتبرهما عامة المسلمين هرطقة. وفي الغالب يقودهم سياسيا عائلة واحدة: هي آل جنبلاط، الذين كانوا قد نجحوا في تحقيق عملية توازن ببقائهم ملاك أراض إقطاعيين، مقرهم قلعة في جبال لبنان الجنوبية، وفي الوقت نفسه يقودون حزبا سياسيا اشتراكيا متطرفا حديثا. ويعتمد آل جنبلاط اعتمادا كبيرا على الولاء القبلي للدروز، لكن حزبهم من الناحية النظرية منفتح على جميع الأديان. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، مكنتهم مهاراتهم السياسية من التفوق على منافسيهم القدامى على قيادة الدروز، آل أرسلان، الذين يمتلكون سلسلة نسب أعرق، ولكن أموالا وسلطة أقل. وكنت آمل أن أقابل كلا من الأمير طلال أرسلان ووليد جنبلاط، بالإضافة إلى كبير رجال الدين لدى الدروز.
في وسط بيروت، كانت مجموعة صغيرة من الناس تتظاهر. رأيت شعاراتهم على أعمدة الإنارة واللافتات بالقرب من مركز المدينة المجدد: «لا للطائفية»، «لا للرشوة»، «لا للغباء». كانوا يطالبون بالحق في الزواج المدني حتى يتمكن اللبنانيون من مختلف الطوائف من الزواج بسهولة أكبر. كانت فرصة نجاحهم ضئيلة. فلبنان مجتمع ليبرالي من نواح كثيرة؛ فالحانات والملاهي الليلية تعج كل ليلة بالمسلمين والمسيحيين على حد سواء. ولكن ميلا راسخا للنزعة المحافظة ينتشر في الخفاء، ولا تستحسن التسلسلات الهرمية الدينية المسيحية والمسلمة المحافظة ذات النفوذ الزواج من خارج الديانة.
كان جنود متمركزين في نقاط رئيسية حول وسط المدينة. ظل خلاف بين الفصائل السياسية في مجلس النواب اللبناني مستمرا عدة أشهر، مما حال دون تشكيل الحكومة، ونزلت القوات إلى الشوارع لمنع حدوث اضطرابات. يمكن للأحزاب الدرزية أن تؤثر في هذه النزاعات، ولكنها لا تمتلك الأغلبية: فبوسع وليد جنبلاط أن يطلب ولاء ستة أعضاء على الأقل في البرلمان المؤلف من 128 عضوا، ولآل أرسلان عضوان.
كان من المقرر أن ألتقي بالسفيرة البريطانية في أحد المقاهي، ومن هناك كنا سنذهب معا لمقابلة جنبلاط . وأثناء توجهي إلى مكان لقائنا، تجولت عبر قسم من المدينة رمم بشكل جميل. ولأنه يقع على حدود الحرب الأهلية، فقد دمرته الشظايا ونيران الأسلحة، لكن رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الملياردير في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وأوائل العقد الأول من القرن الحالي، استثمر مبالغ طائلة في ترميمه قبل اغتياله بالقرب منه في انفجار سيارة مفخخة عام 2005؛ ربما بتحريض من الحكومة السورية. أعادت الحادثة إلى الأذهان ذكرى الحرب الأهلية وجعلت بعض اللبنانيين يتوقعون بدء صراع داخلي جديد.
مررت بمسجد شيد مؤخرا يفوق في ارتفاعه كنيسة مجاورة، ولاحظت أن الكنيسة في المقابل كانت حاليا تزيد من ارتفاع برجها ليتساوى مع ارتفاع المئذنة. كنت أحاول أن أحسم أمري بشأن ما إذا كانت هذه إشارة بائسة للتنافس الديني أم تذكيرا منعشا للذاكرة بالحرية الدينية، عندما شتت انتباهي اكتشاف. فبعيدا عن الأنظار في شارع جانبي، كان يوجد مسجد، مهمل نسبيا بجانب هذين المبنيين الأحدث والأكبر، بناه حاكم درزي للمدينة منذ عدة قرون. عندما ألقيت نظرة على المسجد من الخارج، لاحظت ما يشبه نجمة خماسية متداخلة مع زخارفه الحديدية الخارجية.
كانت النجمة الخماسية رمزا له أهمية خاصة عند الفيثاغوريين، وكان بإمكانهم استخدامها لتعريف أنفسهم للأعضاء الآخرين. لقد أثارت اهتمامهم لأنها مكونة من عشرة مثلثات؛ إذ يمثل لهم رقم عشرة الكمال، والمثلث رمز لنظرية فيثاغورس الشهيرة. اعتقد الفيثاغوريون أن الأرقام والإسقاطات الهندسية للأرقام كانت اللبنات الأساسية للكون. لذلك عندما يكون هناك نمط في الهندسة أو الرياضيات، فإنهم ينسبون إليه رسائل أخلاقية وعملية. وكانوا يؤمنون بأن نظرية فيثاغورس لم تثبت فقط أن طول وتر المثلث يجب أن يكون خمسة إذا كان طول ضلعيه الآخرين ثلاثة وأربعة. ففي لغة فيثاغورس الرقمية، كان الرقم اثنان هو رقم المرأة، وثلاثة هو الرقم المخصص للرجل، ومن ثم كان الرقم خمسة هو رقم الزواج. والرقم أربعة كان يمثل العدالة لأنه يمكن تقسيمه مرتين بالتساوي. لذا فإن جوانب المثلث التي أطوالها ثلاثة، وأربعة، وخمسة بوصات كانت توضح بعبارات لا لبس فيها رسالة مكتوبة في الهيكل الرياضي للكون، ألا وهي: «يجب على الرجل أن يتصرف بعدل في الزواج». وقد اشتهر الأزواج الفيثاغوريون بإخلاصهم لزوجاتهم.
تساءلت عما يعنيه وجود هذا الرمز الفيثاغوري هنا. هل كانت مصادفة؟ نحيت هذا السؤال جانبا في الوقت الحالي؛ لأنني كنت متأخرا عن مقابلتي. أسرعت مارا بمحلات الملابس والمطاعم الباهظة الثمن، والأسقف المقوسة الأنيقة، والنوافذ ذات المصاريع، ووصلت إلى السفيرة في الوقت المناسب لألحق بوسيلة توصيلي إلى منزل وليد جنبلاط. •••
يصل عدد الدروز إلى نحو مليون شخص، نصفهم أو أكثر في سوريا والبقية منقسمون بين إسرائيل (120 ألفا) ولبنان (250 ألفا). وفي كل بلد كان عليهم أن يختاروا جانبا ينحازون إليه. فالدروز في إسرائيل يخدمون في الجيش وينأون بأنفسهم عن الفلسطينيين. وفي سوريا، كانوا يدعمون في الغالب حكومة بشار الأسد خلال الحقبة الدموية التي أعقبت انتفاضات 2011. وعندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، قاتلت ميليشيا جنبلاط الدرزية جنبا إلى جنب مع تحالف مؤلف في معظمه من المسلمين واليساريين في مواجهة حكومة البلاد التي يهيمن عليها المسيحيون ويدعمها الغرب. أصبحت الحرب أكثر تعقيدا مع مرور الوقت. وتفكك كلا الجانبين: فغالبا ما كانت الجماعات المسيحية تتقاتل، وأحيانا كانت تتحالف مع دول ذات غالبية مسلمة مثل العراق وسوريا. واختلف الدروز مع الجماعات الإسلامية الأخرى وخاصة الميليشيات التي تنتمي إلى الطائفة التي أصبحت أكبر جماعة دينية منفردة في لبنان، وهي طائفة الشيعة المسلمون. وفي مرحلة الصراع الطويلة التي تأرجحت فيها الأوضاع، دمر وسط المدينة القديم.
الآن عاد حيا عصريا من جديد، وكان الشارع الذي يسكن فيه جنبلاط هادئا ويبدو عليه يسر الحال، وفيلته كبيرة ومريحة. وقف مجموعة كاملة من الحراس حول المدخل. وركبنا مصعدا إلى الطابق العلوي، وعندما خرجنا منه، أقبل نحونا كلب ضخم يتقافز. تبعه جنبلاط عن قرب. وبرزت من جانبي رأسه الأصلع كتلة من الشعر الأبيض الأشعث. كان لديه شارب كثيف وملامح شخص داهية. قبل أن يخلف والده، كمال، ويصبح مالك إقطاعية، وزعيم حزب اشتراكي، وزعيم المتمردين في الحرب الأهلية، كان مدرسا للتاريخ. كانت السفيرة قد همست لي في المصعد قائلة: «إنه يعطيني كتابا في كل مرة نأتي فيها. وفي كل مرة أراه، أظل خائفة من أن يختبرني في الكتاب الذي أعطاني إياه آخر مرة.»
Página desconocida