Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
دخمة في يزد، حيث كان الزرادشتيون فيما مضى يتركون جثث موتاهم مكشوفة لكي تأكلها الطيور. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف.
كتب هيرودوت في روايته عن هذه المراسم: «ما يعقب ذلك لا يذكر هذا عن موتاهم بوضوح ولكن بوصفه سرا غامضا، وهو أن جثة الرجل الفارسي لا تدفن حتى يمزقها طائر أو كلب.» في الواقع، تظل الجثة مكشوفة حتى تأكلها الطيور أو الكلاب بالكامل. ويمكن للطيور، عادة الغربان أو النسور، أن تلتهم جثة في غضون دقائق. توقفت هذه العادة في إيران منذ عدة عقود، اختياريا على ما يبدو، على الرغم من أن البارسيين في الهند ظلوا يمارسونها. وقد تكون هذه الممارسة أقدم من الزرادشتيين بقرون. ففي تشاتال هويوك بتركيا، حيث نقب عن مستوطنة بشرية من الألفية الثامنة قبل الميلاد، توجد بعض الأدلة الأثرية على احتمال أن الجثث كانت تترك مكشوفة في الهواء الطلق قبل الدفن.
تسلقت الدخمة الأقرب إلى الطريق، ونظرت من جدارها إلى الأسفل لأرى جنازة زرادشتية جارية بالأسفل. ونظرا إلى أن الدخمة كانت حينئذ مهجورة، كانت الجنازة تتجه بدلا منها إلى مقبرة قريبة. وضعت الجثث هناك في حجر وخرسانة ؛ لمنعها من تلويث الأرض. وبعد الجنازة، كان المشاركون يذهبون إلى منازلهم ويغسلون أنفسهم ببول ثور. (الأمونيا التي يحتويها هذا البول تجعله مطهرا جيدا، ويبدو أنه بعد سنوات من التخزين يفقد رائحته؛ وهو أمر جيد حيث يتوقع أحيانا أن يشربه الزرادشتيون، على سبيل المثال أثناء احتفالات بلوغ سن الرشد، ولكن الأشخاص الذين يصابون بالغثيان أصبحوا الآن يستبدلون عصير الرمان بالبول. يشير بلوتارخ، في القرن الأول الميلادي، إلى هذا الاحتفال؛ لذا فهو بالتأكيد قديم جدا.)
حاولت تخيل ماهية ما سيشعر به المرء عند رؤية تصادم القوى الكونية في الحياة اليومية للفرد. أظن أن جميع الناس لديهم فهم نظري لما هو نقي وما هو غير نقي. وقلة من الناس يشعرون بالراحة عند شراء منزل مات فيه شخص ما بطريقة عنيفة، ولن يرغب كثيرون منا في أن يكونوا في رحلة بالطائرة جالسين بجوار جثة. اكتشف العلماء أن الفساد الأخلاقي يثير ردود فعل جسدية تضاهي الاشمئزاز الجسدي؛ وبالفعل، غالبا ما توصف الخطيئة والفساد الأخلاقي بأنهما دنس (فكلمة «طاهر» تعني حرفيا «لا تشوبه شائبة»). ويؤمن الزرادشتيون بأن الدنس في العالم قد وضعته قوة خارقة للطبيعة نشطة وخبيثة؛ لذا فإن للنظافة قوة أخلاقية، ويجب أخذ نجاسة المدفن على محمل الجد. فوفاة شخص صالح تمثل انتصارا عظيما لأنجرا ماينيو وخدمه، وتجعل مكان الدفن دنسا دناسة خاصة. فالجثة تجذب شيطان الجثث، «الناسو». لذا لن يفكر الزرادشتيون في قضاء العطلة بالتجول في الدخمة: فهي تمثل لهم أحد أكثر الأماكن قذارة بشكل خارق للطبيعة على وجه الأرض.
ركبت سيارة أجرة من الدخمة عائدا إلى وسط يزد. قال السائق حسن: «الزرادشتيون أناس طيبون.» كان حسن مسلما متدينا، يرتدي قميصا أرجوانيا لإعلان حقيقة أن اليوم، كما أخبرني، هو ذكرى شهيد إسلامي. قال: «جاء الإسلام إلى إيران من العرب عن طريق الحرب. قبل ذلك كنا كلنا زرادشتيين.» كل عام يتذكر أناس مثل حسن تراثهم عندما يحتفلون بعيد النيروز، عيد الربيع، عندما يصبح النهار أطول من الليل (في الفكر الزرادشتي، يمثل هذا انتصارا للخير على الشر). ويستمر عيد الربيع أسبوعين في إيران الحديثة، ويحتفل به المسلمون بحماس يفوق الزرادشتيين الذين تكون احتفالاتهم هادئة وذات طابع ديني. الأمر المشترك بين الجماعتين هو عادة وضع سبع من ثمار الخلق على مائدة، لتناظر سبع فضائل وسبعة كواكب. عند الزرادشتيين، يمكن أن تشمل الثمار النبيذ، والحليب، والماء، والحبوب المنبتة، والتوت الفضي، والحلوى؛ ويمكن أيضا أن تتضمن مرآة وعملات معدنية، حيث تمثل الأولى المستقبل والثانية الازدهار. يميل الإيرانيون المسلمون إلى استخدام القمح، والتفاح، وفاكهة اللوتس، والثوم، وتوابل تسمى «السماق»، وحلوى بودنج تسمى «سمنو»، والخل. ثمة عيد أصغر يسمى تشهارشنبه-سوري (بالفارسية، الأربعاء القرمزي)، ويأتي قبل عيد النيروز مباشرة، ويتضمن القفز فوق النار. أيضا يحتفل به المسلمون. وقد حاولت المؤسسة الدينية الإيرانية أن تثني الناس عن الاحتفال بعيد النيروز، وفي عام 2010 حاول آية الله خامنئي حظر تشهارشنبه-سوري تماما على أساس أن الاحتفالات «ليس لها أساس في الإسلام»، لكن حسن والكثير من الإيرانيين الآخرين في جميع أنحاء البلاد تجاهلوه على الرغم من شدة تدين العديد منهم. أستطيع فهم السبب. فالحدث ممتع، ومتجذر بعمق في المجتمع، وإيراني على نحو مميز؛ فلا تحتفل به أي ثقافة لم تتأثر بإيران. •••
أرسل زوج لال، ضابط الجيش شهريار، بعد الحرب العالمية الثانية لمحاربة التمرد المدعوم من الاتحاد السوفييتي في شمال غرب إيران (المقاطعة التي دخلت منها البلاد لأول مرة، بالقرب من زندان سليمان). أصيب خلال القتال وترك ليموت في ساحة المعركة؛ وعندما تبين أخيرا أنه على قيد الحياة ونقل إلى المستشفى، كان قد فقد بصره. تقلد وساما من الشاه الذي أرسله إلى بريطانيا للعلاج. وتبنته جمعية خيرية للمحاربين القدامى، وعلمته طريقة برايل في القراءة للمكفوفين، وساعدته في العثور على وظيفة عامل هاتف. كان يوجد عدد قليل من الزرادشتيين في بريطانيا في هذا الوقت؛ فقد نشأت ابنتهم شاهين وهي تغني ترانيم مسيحية في المدرسة (قالت لي: «أراد والدي أن أندمج مع المجتمع»)، وكانت الطريقة الوحيدة التي يمكنها بها أن تشرح لزملائها الحائرين ماهية دينها هي التحدث عن الحكماء الثلاثة في الكتاب المقدس.
وعلى الرغم من قلة عددهم وأنهم غير معروفين جيدا، كان الزرادشتيون بالفعل طائفة مزدهرة ومؤثرة. وكان البريطانيون يفضلون الزرادشتيين البارسيين على جميع الجماعات الأخرى في إمبراطوريتهم الهندية: حيث كتب أحد المعلقين على لعبة الكريكيت في القرن التاسع عشر، متأثرا بزيارة نادي زرادشتي للكريكيت لإنجلترا سنة 1887: «الأكثر ذكاء، وكذلك الأكثر ولاء من بين الأعراق المنتشرة في أملاكنا الهندية.» كان لاعبو الكريكيت الزرادشتيون (الذين كان ناديهم قد تشكل في عام 1850 في بومباي) انتقاديين في ردهم. فقد اشتكوا من مدى قذارة إنجلترا وكم كان صادما رؤية مثل هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء: «يعيش الرجال والنساء في حالة هزال مزمن، حتى يصبح من الصعب التعرف عليهم كبشر.»
ومع ذلك، كانت بريطانيا مكانا جيدا لمزاولة الأعمال التجارية، وكانت أكبر العائلات الهندية في مجال التجارة من البارسيين؛ وبدأ بعض منها يرسخ جذوره في بريطانيا. في الواقع، كان أول هندي يدخل البرلمان البريطاني بارسيا يسمى دادابهاي ناوردجي. وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر كان قد ساعد في تأسيس المؤتمر الوطني الهندي، الذي أصبح في نهاية المطاف الحزب الحاكم في الهند بعد الاستقلال. وكان المهاتما غاندي قد وصفه بأنه «إلهام»؛ وكان ناوردجي قد اتخذ محمد علي جناح، المؤسس المستقبلي لدولة باكستان، مساعدا له. بعد ذلك، ونظرا إلى عدم وجود برلمان خاص بالهند، ترشح ناوردجي في البرلمان البريطاني. واختير بصفته مرشحا ليبراليا لإحدى ضواحي لندن الشمالية التي تسمى فنزبري بارك في الانتخابات العامة لعام 1892. لم تكن الفرص في صالحه؛ فقد قال رئيس الوزراء المحافظ اللورد سالزبوري عبارته الشهيرة إنه يشك في إمكانية انتخاب «رجل أسود» لعضوية البرلمان البريطاني. وهاجمت إحدى الصحف ديانة ناوردجي، مستنكرة عبادته للنار.
لذلك عندما فاز ناوردجي بأغلبية ضئيلة، سافر وفد من مؤيديه كل تلك المسافة من الهند لرؤيته وهو يؤدي اليمين. كان هذا، بأي حال، بعد سنوات قليلة فقط من موافقة البرلمان على السماح بدخول غير المسيحيين. لذلك في اليوم الذي كان من المقرر أن يؤدي فيه ناوردجي اليمين، اتخذ مكانه بصفته الهندي الوحيد في صف طويل من النبلاء الفيكتوريين ذوي القبعات العالية، المصطفين في قاعة مجلس العموم. وكان يحمل نسخة صغيرة من الأفستا الزرادشتية في جيبه، ينوي أن يحلف اليمين عليها بدلا من الكتاب المقدس. وبعد أيام قليلة، وجد نفسه يتحدث في مناظرة بعد مدة وجيزة من تحدث جلادستون وبلفور، محذرا بريطانيا من أن الظلم تجاه شعب الهند سينهي حكمها هناك. وعلى ذكر «الوضع الغريب» الذي وجد نفسه فيه، فقد بقي في البرلمان مدة ثلاث سنوات لكنه لم يشعر قط بأنه في موطنه هناك. وكان إجمالي النواب زرادشتيين منتخبين قبل أن تحصل الهند على استقلالها هو ثلاثة (لم يتكرر هذا الأمر منذ ذلك الحين؛ على الرغم من أن عضوا واحدا في مجلس اللوردات البريطاني حاليا بارسي). لكن الطائفة لم تزدد عددا مطلقا إلى ما هو أكبر من ذلك. ففي عام 1980 كان عدد أفرادها ألفي شخص.
وفي السنوات الخمس والعشرين الماضية، لم يعاود لال وشهريار زيارة يزد أو طهران؛ خوفا من نظام الحكم الإسلامي الجديد. وبدلا من ذلك أصبحا مرشدين لموجة جديدة من الزرادشتيين الإيرانيين الذين كانوا يصلون إلى بريطانيا. وبين عامي 1980 و2001 تضاعف عدد الزرادشتيين البريطانيين، من ألفين إلى ما يقرب من أربعة آلاف؛ بما في ذلك كل من البارسيين والإيرانيين. وفي عام 2004، قدر الزرادشتيون أنفسهم عددهم في الولايات المتحدة بعشرة آلاف وفي كندا بخمسة آلاف. كانت الأرقام في إيران ذاتها قد انخفضت، على الرغم من أن الإحصاءات الرسمية لا تظهر هذا؛ لأنه مهما ساءت المعاملة التي يتعرض لها الزرادشتيون، فمعاملة البهائيين أسوأ بكثير، وقد بدأ العديد من البهائيين في تسجيل أنفسهم رسميا على أنهم زرادشتيون.
Página desconocida