Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
جلسنا في ساحة المدرسة الدينية بعض الوقت؛ ومر بجانبنا «سيد» يرتدي ملابس سوداء وقطة سوداء يمشيان ببطء، كما لو كانا في موكب مهيب. أخبرني أحد أصدقاء السيد جهانجير أنه يأمل في أن يدرس في المدرسة الدينية. كان عليه أولا أن يجتاز امتحانات القبول؛ وكانت فلسفة أفلاطون واحدة من الموضوعات الأساسية التي سيختبر فيها. وكان سيدرس في المدرسة الدينية كتابات أرسطو، من خلال حضور دروس خاصة يتعلم فيها من خلال إجراء مناظرات مع زملائه الطلاب (وهي تقنية تشبه في ذاتها تقنية الفلاسفة الإغريق). لقد مرت سنوات منذ أن درست كتابات أرسطو وأفلاطون، ولم أتوقع أن أجدهما مقدمة مفيدة لزملاء آية الله الخميني، إذ كان قد تبين أن تلك هي حقيقة أصدقائي. كان ثمة قدر من السخرية التاريخية في الأمر: الفلاسفة الكلاسيكيون، الذين كانوا مصدر إلهام لعصر التنوير الأوروبي، كانوا يحظون بشعبية لدى رجال الدين الرجعيين في إيران؟ وأفلاطون الأثيني، وأرسطو معلم الإسكندر، كانا ذائعي الصيت في بلاد فارس، التي اشتهرت بأنها عدوة أثينا والإسكندر؟
لكن هذا كان جهلا من جانبي؛ لأنه كما علمت، بالفعل ترك الإسكندر الأكبر المكروه في بلاد فارس إرثا من المودة للثقافة الإغريقية. وكان حكام إيران الفرثيين في القرن الأول قبل الميلاد عاشقين للمسرح الإغريقي. (عندما قتل الجنرال الروماني غير المحظوظ كراسوس في حران، أحضر رأسه إلى الإمبراطور واستخدم ديكورا مسرحيا في «باخوسيات» يوربيديس.) وكانت العلوم الإغريقية تحظى باحترام كبير في بلاد فارس لدرجة أنه حتى بعد أن تبنى الغرب أفكارا جديدة، استمر الفرس في اتباع الإغريق. وحتى القرن التاسع عشر ، كان أي شخص يذهب إلى طبيب في بلاد فارس يحصل على تحليل سوائله، استنادا إلى وصفات الطبيب اليوناني من القرن الثاني جالينوس. (لم يعد أحد الآن في إيران يستخدم «الطب اليوناني» مع أنه ما زال يمارس في الهند.) ويعود علم الفلك الذي ما زال رجال الدين الإيرانيون يدرسونه في بداية القرن العشرين إلى بطليموس، وهو عالم يوناني من القرن الثاني. يوما ما درس رجل يدعى أحمد كسروي ليصبح رجل دين ثم انتهى به الأمر إلى أن أصبح أحد أهم الكتاب المناهضين لرجال الدين في إيران الحديثة؛ ولم يبدأ تحرره من أوهام الإسلام الشيعي بالقرآن بل بسبب خطأ اكتشفه في كتابات بطليموس.
وبسبب هذا الحماس للعلوم الإغريقية، كان من الطبيعي أنه في القرن السادس الميلادي عندما طرد الإمبراطور البيزنطي جستينيان آخر الأعضاء الوثنيين في أكاديمية أفلاطون - التي كان مجال ممارستها هو تعليم الطلاب أولا فلسفة أفلاطون ثم فلسفة أرسطو - وفر لهم الفرس ملجأ. وجرى إيواؤهم في بلدة تسمى جنديسابور، حيث انضموا إلى علماء من إحدى الأقليات الدينية في الإمبراطورية البيزنطية، الذين كانوا قد طردوا أيضا؛ وفي السنوات اللاحقة، جلب الفرس علماء صينيين وهنودا للانضمام إليهم. وأصبحت جنديسابور جامعة رائعة تضم مناهجها نصوصا يونانية، وسنسكريتية، وصينية؛ وكان بها مستشفى كان يعد أعظم مركز طبي في المنطقة، حتى إن الأطباء كانوا يجرون الفحوصات هناك (وهو ابتكار مذهل في ذلك الوقت). فأصبح تعصب بيزنطة مكسبا لبلاد فارس.
كان الخميني قد درس فلسفة أفلاطون في المدرسة الدينية. وفي الواقع، لم تكن فكرته القائلة بأن من يدير إيران يجب أن يكون «رجل الدين الأكثر علما» تمثل تغييرا ملحوظا فحسب عن وجهة نظر الشيعة التقليدية بأن الحكومة شريرة في ذاتها، لكنها أيضا لم تكن موجودة في القرآن. وبدلا من ذلك، ربما يكون هذا أقرب مثال على وجه الأرض لرؤية أفلاطون، الموضحة في كتابه «الجمهورية»، عن دولة يديرها «الفيلسوف الأحكم». نفى الخميني دائما وجود صلة، على الرغم من قبوله لأفلاطون، وقوله مرة إنه يعتبره «حكيما». •••
أخذتني رحلتي من قم عبر مدينة أصفهان الرائعة، التي صممت ساحتها المركزية لتستخدم أيضا كملعب لممارسة رياضة البولو، والتي تعد مساجدها المزخرفة بالخزف الأزرق من أجمل المباني في العالم، والتي يرسم فنانو البازار فيها بعناية مشاهد حب وصورا للشعراء على صناديق خزفية صغيرة. وإلى الجنوب من أصفهان ذهبت إلى شيراز، وهي المدينة التي أعلن فيها في أربعينيات القرن التاسع عشر «سيد» مسلم محافظ يدعى علي الشيرازي أنه المهدي وتبعه مائة ألف شخص قبل أن تعدمه بوحشية السلطات التي اعتبرته مجدفا على الله. وأعلن أتباعه، الذين كان من بينهم زرادشتيون، أنه كان أيضا السوشيانت. وأطلقوا على أنفسهم اسم البابيين؛ لأن الشيرازي كان «الباب»، أي البوابة الغامضة إلى الله. وفي أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، زار الباحث البريطاني إدوارد براون إيران. تعمق الرجل، الذي صار في وقت لاحق أحد أعظم الخبراء الغربيين في البلاد (ولا يزال البريطاني الوحيد الذي سمي باسمه شارع في طهران الحديثة)، في المجتمع الإيراني وأصبح بارعا في حل شفرة الرموز السرية التي كان يستخدمها الإيرانيون؛ مثل الشفرة التي كان يستخدمها الرجال الإيرانيون عند نفث الدخان من النرجيلة؛ فكل مجموعة نفثات تمثل حرفا. وعلى الرغم من مهارته وتحمسه لمقابلة البابيين وسؤالهم عن معتقداتهم، لم يستطع اختراق السرية التي أحاطوا بها أنفسهم. وفي كل مرة كان يقترب من شخص يبدو مقبولا، يدعي الرجل أنه مسلم تقليدي.
من الواضح أن البابيين كانوا يراقبونه خلال هذا الوقت؛ لأنهم قرروا في النهاية أنه يمكنهم الوثوق به. قال له رجل بابي بعدما كشف له عن انتمائه: ««الأصدقاء» في كل مكان، ومع أنك بحثت عنهم حتى الآن دون جدوى، ولم تعثر عليهم إلا أخيرا بما قد يبدو مجرد صدفة، فالآن بعدما أصبح لديك الدليل، ستلتقيهم أينما ذهبت.» تعرف على عاداتهم، التي أظهر بعضها تأثيرات زرادشتية واضحة؛ فالبابيون يتزوجون من زوجة واحدة فقط، والبابيات لا يرتدين الحجاب، واتخذ البابيون صوما جديدا بدلا من رمضان، يقام في المدة التي تسبق عيد النيروز. كانت السرية مبررة؛ فقد ذبحت حكومة إيران في القرن التاسع عشر الآلاف من البابيين واستعبدت زوجاتهم. وتحولت ديانة البابيين في النهاية إلى البهائية. وفي السنوات الأخيرة، سجن القادة البهائيون وتعرض أتباعهم لمضايقات ممنهجة، واستبعدوا من الوظائف الحكومية، وفي بعض الأحيان اعتقلوا على أساس أنهم مرتدون عن الإسلام. ومنذ الثورة الإسلامية قتل مائتان من البهائيين.
يحتفي الشعر الإيراني كثيرا بمدينة شيراز، خاصة في قصائد حافظ، الشاعر المفضل لدى الإيرانيين، الذي كان يعيش في القرن الرابع عشر؛ على الرغم من أن أعماله لا تحتفظ برونقها جيدا بعد الترجمة. «بين جعفر آباد والمصلى ... أقبلت بالعبير ريح شماله. روح قدس لها بشيراز فيض ... وبشيراز حل أهل كماله. ذاكر القند المصري ثم ... الحسان قد تسببن في إخجاله.» [من كتاب «مجموع ديوان حافظ الشيرازي»، غزل 279. ترجمة دكتور علي عباس زليخة. طبعة الهيئة العامة السورية للكتاب.] «ديوان حافظ» هو أحد كتابين تمتلكهما كل عائلة إيرانية تقليدية، - والكتاب الآخر هو القرآن. قبره في شيراز مزار يحج إليه الناس. رأيت شابا راكعا عنده ومكث هناك وقتا طويلا يصلي في صمت، بينما وقفت عدة نساء على مقربة، ورءوسهن مطأطأة. ربما لم يكن حافظ فحسب هو من كرموه وتاقوا إليه، وإنما أيضا الثقافة المتحررة المفعمة بالحيوية التي أعلن عنها: «الوردة البلبل السكران قد قتلت ... صوفي يا عابد الخمر الصلاة حلت! كصخرة توبتي أحكمتها عجبا ... بالجام وهو زجاج كيف قد كسرت! دار ببابين عنها أنت مرتحل ... فأي فرق علت سقفا أم انخفضت.» [من كتاب «مجموع ديوان حافظ الشيرازي»، غزل 25. ترجمة دكتور علي عباس زليخة. طبعة الهيئة العامة السورية للكتاب.]
يعج شعر حافظ بإشارات إلى الخمر. وشعر المتدينون بالإحراج من ذلك؛ لأن الخمر حرام في الإسلام، وكان حافظ شاعر المسلمين الإيرانيين المفضل، وفسر الأتقياء هذه الإشارات على أنها استعارات عن البهجة الروحية. ومن هذا المنطلق كتب آية الله الخميني قصيدة قال فيها: «افتحي باب الحانة ودعينا نؤمها ليل نهار.» ومع ذلك، فإن حانات حافظ كان أصحابها من الكهنة الزرادشتيين، المجوس. فكما تقول إحدى قصائده : «عرضت مشكلتي أمس أمام شيخ المجوس ... الذي يمكنه حلها بنظرة من عينيه. رأيته مسرورا يبتسم وكأس الخمر في يده.» ويبين هذا أن إشارات حافظ للخمر هي إشارات إلى الاعتقاد الزرادشتي بأن شرب الخمر هو وسيلة للتواصل مع الله. ففي أحد طقوس الصلاة الزرادشتية، تعد الخمر من ثمار الخلق السبعة التي توضع أمام الكاهن (الذي يطلق عليه أحيانا أيضا اسم المجوسي). وفي التقاليد الزرادشتية، أعطى زرادشت خمرا للملك القديس فيشتاسبا ليشربه، مما جعله في حالة نشوة. وفي تلك النشوة صعد إلى السماء ولمح مجد الله. قال هيرودوت إن الفرس لم يكونوا يتخذون قرارا إلا إذا نظروا فيه مرتين؛ مرة في حالة اليقظة ومرة في حالة السكر. لذلك إذا اتخذوا قرارا وهم متيقظون، فسيسكرون بعد ذلك ويرون ما إذا كان لا يزال يبدو فكرة جيدة. وإذا كان كذلك، يمضون قدما فيه. عندما قرأت هذا أول مرة، افترضت أنها مزحة، لكنها في الحقيقة تبدو منطقية. فإذا كانت الخمر تعطي نوعا خاصا من البصيرة الغامضة، فستبدو فكرة جيدة أن يثمل المرء قبل اتخاذ القرارات. وأيضا، سيتعلم من بعض التجارب السيئة قيمة التفكير مليا في اتخاذ القرارات عندما يكون متيقظا.
درويش يطوف بقبر الشاعر حافظ في شيراز بإيران. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف.
الأبيات المقتبسة أعلاه هي مجرد مثال واحد على مدى تغلغل الفكر الزرادشتي بعمق في كتابات حافظ. لا عجب إذن أن زرادشتيا يدعى خسرو أراد تكريم حافظ. وعندما رأى نصبا تذكاريا سابقا له في حالة رثة، حاول بناء نصب جديد حول قبره. كان ذلك سنة 1899، وتبدد ذلك الجهد عندما قاد رجل دين مسلم محلي حشدا من الغوغاء لتدمير النصب التذكاري لأن من بناه كان زرادشتيا. ومنذ ذلك الحين، أعاد المعجبون المسلمون بالشاعر بناء المقبرة بشكل رائع. تساءلت في نفسي وأنا أقف بجانب الأعمدة الحجرية لهذا القبر الجديد عن مكان مجوس أشعار حافظ الآن؟ وبينما كنت أفكر، مر أمامي درويش رث الثياب وشرع في الطواف سبع مرات حول النصب التذكاري. إنها عادة زرادشتية قديمة. لكن بالإضافة إلى الجلباب البني والقبعة الطويلة المستديرة ، كان هذا الرجل التقي يضع على كتفه وشاحا أخضر، وهو اللون الدال على الإسلام. كان مسلما وليس زرادشتيا؛ فقد تأثرت إيران تأثرا عميقا بالصوفية، ويبدي بعض الصوفيين تبجيلهم للقديسين الموتى بالطواف حول قبورهم. بالطبع، ربما كان بعض الزرادشتيين بين الشبان والشابات الذين كانوا يصلون عند القبر أو يجلسون في المقهى الملحق به. لكنني لم أظن ذلك. فمجوس أشعار حافظ قد أغلقوا حاناتهم منذ زمن طويل.
Página desconocida