Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
فتاة أرمينية إيزيدية تقبل تمثال الملاك الطاووس، ملك طاووس. يطلق على ملك طاووس أيضا اسم إبليس أو عزازيل، ولكن يعتقد الإيزيديون أنه صالح وليس شريرا. وكالة الأنباء الفرنسية/جيتي إيمدجز.
ولكن، لن يطلق الإيزيديون أبدا على الملاك الطاووس اسم «الشيطان»؛ لأنها كلمة محظورة عليهم ومن أشد المحرمات صرامة وتحفظا. ففي القرن التاسع عشر، كتب الإيزيديون رسالة إلى السلطات العثمانية يصفون فيها ممارسة مروعة كان عليهم تنفيذها عند سماع اسم الشيطان: وهي قتل الشخص الذي قال الاسم، ثم قتل أنفسهم لأنهم سمعوه. بعد حرب العراق، لم يبالغ النائب الإيزيدي الوحيد في البرلمان العراقي في رد فعله عندما سمع رئيس الوزراء يستعيذ بالله من الشيطان في بداية خطبه. لكنه أثار ضجة عندما نهض للاعتراض على هذه الممارسة، أو بالأحرى على حقيقة أن نوابا آخرين رمقوه بنظرات اتهامية في كل مرة قيلت فيها الاستعاذة. وقد حدثت هذه النظرات الاتهامية لأن أولئك البرلمانيين الآخرين اعتبروه من عبدة الشيطان.
وكذلك فعل سائق السيارة الأجرة طه، كما كشف لي أثناء رحلتنا شمالا نحو بلدة تدعى دهوك، حيث كان من المقرر أن أقابل عالما إيزيديا ومسئولا كرديا يدعى خيري بوزاني. فقد حذرني طه وهو يقود السيارة، قائلا: «سترى أنني لن آكل أيا من طعامهم. يقول الناس إن المسلمين كانوا فيما مضى يأكلون طعام الإيزيديين. لم نعد نفعل ذلك. فالملك طاووس هذا الذي يعبدونه، هو الشيطان.» أخبرني إيزيديون أصغر سنا فيما بعد أنه أصبح من الشائع أن يرفض الأكراد المسلمون تناول الطعام معهم. وكان الزوار الأوروبيون الأوائل أيضا متحفظين بشأن الإيزيديين بسبب ملك طاووس. فقد وجد أوستن هنري لايارد، وهو عالم ارتحل عبر شمال العراق سنة 1840، أن الإيزيديين أكثر تهذيبا من جيرانهم؛ وأشار بشكل خاص إلى «سلوكهم الهادئ المسالم، ونظافة قراهم وحسن ترتيبها». ومع ذلك، فقد تردد في قبول دعوتهم للمشاركة في حفل تسمية أحد أطفالهم. «على الرغم من احترامي وتقديري للإيزيديين ... كنت بطبيعة الحال حريصا على التأكد من مقدار المسئولية التي قد أتحملها، في كوني الأب الروحي لطفل يعبد الشيطان.» •••
ما يعتقده الإيزيديون حقا بشأن ملك طاووس أكثر إثارة للاهتمام وللتفكير من عبادة الشيطان. ففي القرن التاسع الميلادي، كان المسلمون، والمسيحيون، والزرادشتيون، وغيرهم يتصارعون فيما بينهم في الإمبراطورية العباسية التي كان يحكمها المسلمون. ولم تكن علوم العقيدة الإسلامية راسخة حينها كما أصبح منذ ذلك الحين، وكان الصوفيون مهتمين اهتماما خاصا باستحداث تفسيرات جديدة مبتكرة وجريئة للدين. ومن هؤلاء الصوفيين كان حسين بن منصور الحلاج. كان جد الحلاج من الزرادشتيين، ويؤمن بالازدواجية، المتمثلة في فكرة أن الكون هو المكان الذي تجري فيه معركة بين الخير والشر. وكان حفيده يرى الفكرة المعاكسة. وفي يوم طرق باب أحد الأصدقاء. وعندما سأل الصديق عن هوية الطارق، أجاب الحلاج: «أنا الحق، أنا الله». وقال في مرة أخرى: «لا شيء في هذه العباءة غير الله.»
كلمات الحلاج أكسبته معجبين. وقال الشاعر الرومي إنها أظهرت روحا تتمتع بقدر من التواضع أعظم من أن يطلق المرء على نفسه «عبد الله»؛ لأن عبارة الحلاج مثلت إنكارا تاما للذات، واستعدادا لأن يستوعبها الله بالكامل. وكما كتب الحلاج: «عندما تبيد قلبك، يدخله الله ويكشف عن وحيه المقدس.» وقد كان لدى بعض المسيحيين فكرة مماثلة؛ حيث كان كاهن وثني سابق يدعى مونتانس، الذي مضى في تأسيس حركته المسيحية المنشقة، قد ادعى أن الله يسكن روحه وأعلن: «أنا الآب، والابن، والروح القدس.» ووصف يوسف بوسنايا، وهو كاهن مسيحي من القرن التاسع عشر، تجاربه الصوفية بقوله إن «روح [الإنسان] نفسها تصبح المسيح ... وتصبح الرب ولا يعد الرب ربا.» لكن الحلاج كان يثير وجهة نظر فلسفية أوسع. فقد كان يقصد أن كل شيء هو الله. وكتب في إحدى قصائده: «أنت من أرى في كل شيء.» وكان هذا هو التوحيد المطلق؛ فكل شيء، حرفيا، هو من الله بشكل أو بآخر.
وباعتباره موحدا توحيدا مطلقا، جاهد الحلاج لفهم فكرة الشيطان. ففي عالم من صنع الله، كان الشيطان قطعة غير منسجمة. وفي التراث الإسلامي التقليدي، الذي كان يتشارك فيه مع اليهود والمسيحيين، كان الشيطان شرا خالصا؛ متمردا على الله لا يمكنه أن يتوب أبدا ولا يمكن التصالح معه أبدا. والسؤال: ألم يعن ذلك أن الله الخالق كان إما ظالما أو ليس قديرا كما علمنا الدين؟ وكان الزرادشتيون، أيضا، قد انتبهوا لهذا السؤال تحديدا. فقد تحدوا جيرانهم المسيحيين بقولهم إنه إذا كان الله قديرا، فلماذا إذن يسمح للشيطان بارتكاب الشر في العالم؟ لماذا لا يستطيع أن يفدي الشيطان كما فدى البشرية؟ توصل أحد أولئك المسيحيين، وهو إسحاق النينوي، إلى جواب. في نهاية العالم سيفتدى بالفعل كل مخلوق وحتى الشياطين ستدخل الجنة. وستختفي الجحيم. «لن تبقى الشياطين شياطين ولا الخطاة خطاة.»
ابتكر الحلاج جوابه الخاص على الزرادشتيين. فقد قال القرآن، مثل الكتب المقدسة المسيحية واليهودية، إن الشيطان كان أمير الملائكة، ورفض أن يسجد لآدم وتمرد على الله، ولهذا ألقي في الجحيم. لكن الحلاج أعطى هذه القصة منعطفا مذهلا. فقد قال إنه بسبب محبة غيورة ولا هوادة فيها، رفض الشيطان أن يسجد لآدم. وكان الشيطان النموذج الأصلي لكل هؤلاء الصوفيين وغيرهم ممن لم يركزوا سوى على تأمل الله، ولم يكن لديهم وقت للآخرين. ولكن، وفقا للحلاج، كان الشيطان ضالا أكثر من كونه شريرا. في وقتنا الحالي سيعتبر معظم المسلمين وجهة نظر الحلاج غير تقليدية جدا. ومع ذلك، في القرون الأولى للدين، كان يوجد متصوفة مسلمون آخرون اجتهدوا بالمثل في فهم مسألة كيف ينسجم الشيطان مع العالم. إحدى هؤلاء، وهي رابعة البصرية، صدمت مستمعيها برفضها أن تقول إنها تكره الشيطان، والتهديد بحرق الجنة وإطفاء الجحيم؛ لأن الخوف من العقاب أو الأمل في الثواب وقف بين الناس ومحبة الله الحقيقية.
تتوافق رؤية الإيزيديين لملك طاووس مع هذا التراث. وبالإشارة إليه على أنه عزازيل أو إبليس، فإنهم يعتبرونه الملاك المتمرد، ولكن ليس أمير الظلام. وهم يبررون ذلك ليس فقط بقولهم إن الشياطين ستتحول إلى ملائكة في نهاية الزمان، ولكن بأن هذا قد حدث بالفعل. شرح لي خيري بوزاني ذلك عندما وصلت إلى مكتبه في دهوك، المحاط بمنازل مطلية بألوان الباستيل وتخرج من أسطحها قضبان معدنية، استعدادا لبناء الطابق التالي للجيل القادم. قال خيري: «بعد تمرد عزازيل» حيث حرص على تجنب استخدام الاسم المحظور، كما لاحظت «عوقب، لكنه تاب.» وبعد سبعة آلاف سنة من النفي، كان عزازيل قد أطفأ نيران الجحيم بدموعه؛ ولذا أعيد إلى مكانته بوصفه رئيسا لجميع الملائكة. وهذا يعطي الإيزيديين نظرة مختلفة عن الكون، نظرة لا وجود فيها للجحيم. أضاف بوزاني: «لدينا فكرة عن الإله الواحد لا تملكها الأديان السماوية؛ فالشر والخير كلاهما نابع من الله. ولا توجد قوتان متصارعتان تتقاتلان من أجل الهيمنة على الكون.» وبعيدا عن عبادة الشيطان، يؤمن الإيزيديون أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل.
ربما يكونون قد تأثروا تأثرا مباشرا بأتباع الحلاج. فقد انتهى الواعظ المتطرف نهاية قاسية، بعد دعمه لتمرد العبيد في جنوب العراق، قبضت عليه قوات الخليفة العباسي وقطع إلى أشلاء. وهرب أتباعه إلى الشمال ولجئوا إلى الجبال هناك، في منطقة غير بعيدة من المكان الذي سيعظ فيه الشيخ عدي لاحقا وحيث يعيش الإيزيديون حاليا. من المحتمل أن أفكارهم انتقلت إلى أسلاف الإيزيديين، إما في زمن الشيخ عدي أو حتى قبل ذلك، واندمجت في حياتهم الدينية جنبا إلى جنب مع بقايا التقاليد والمعتقدات الأقدم بكثير.
كان تقليد استرضاء الآلهة الشريرة تقليدا قديما جدا في العراق. ويسجل كتاب «الزراعة النبطية» (المذكور في الفصل السابق) إحدى الصلوات، المستخدمة في العراق في القرن التاسع، والتي يبدو أنه تظهر فيها آثار للتأثير الإسلامي، ولكنها سرعان ما تكشف عن ذاتها بأنها من تراث مختلف تماما: «لا إله إلا الله وحده، ولا شريك له ... المنفرد بالجبروت والكبرياء والعظمة ... تباركت يا رب السماء وغيرها ... بحق حياتي نسألك أن ترحمنا. آمين ... وفي أثناء تلاوتك لهذه الصلاة، قدم قربانا محروقا لصنمه يتألف من جلود قديمة، وشحم، وشرائح من الجلد، وخفافيش ميتة. واحرق له أربعة عشر خفاشا ميتا ومثلها من الفئران. ثم خذ رمادها واسجد عليه أمام صنمه». كانت الصلاة موجهة إلى الإله زحل، «سيد الشر، والخطيئة، والقذارة، والأوساخ، والفقر»، وكان الهدف منها إقناعه بترك المتوسلين وشأنهم .
Página desconocida