Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
ميرزا إسماعيل وصديقه أبو شهاب في سنجار، بشمال العراق. الصورة مهداة من ميرزا إسماعيل.
ولد ميرزا في قرية على تلال مكسوة بأشجار البلوط، تسقى من ماء الآبار في منطقة سنجار بشمال غرب العراق (مكان بعيد شمال الأهوار العراقية، حيث يعيش المندائيون؛ تعرف كل طائفة من الطائفتين بشأن الأخرى، ولكن التواصل بينهما محدود جدا). منذ زمن بعيد كانت هذه المنطقة جزءا من الإمبراطورية الآشورية، التي كانت تمتلك الكثير من القواسم المشتركة ثقافيا مع البابليين؛ لكنها انتقلت من حاكم إلى آخر مرات كثيرة منذ ذلك الحين، حيث احتلتها بابل، وبلاد فارس، والرومان، والعرب، وأخيرا الأتراك. وعندما كان ميرزا صبيا صغيرا، نقلت حكومة صدام حسين عائلته إلى مشروع سكني يسمى القحطانية. كان صدام يحاول إخضاع المحافظات الشمالية المضطربة لسيطرة حكومية أشد من أجل سحق التمرد المتزايد هناك للانفصاليين الأكراد الذين أرادوا إقامة دولتهم المنشقة. ومع أن معظم الإيزيديين لم يعتبروا أنفسهم أكرادا، فإن صدام لم يجازف. ففي القحطانية، سيكون من السهل السيطرة على الإيزيديين، خاصة أنه من دون أرضهم كانوا يعتمدون على المساعدات الغذائية الحكومية.
وهكذا نشأ ميرزا في أحد منازل القحطانية البسيطة المبنية من الطوب اللبن والمكونة من طابق واحد. كانت المياه تقطر من السقف خلال عواصف فصل الشتاء المطيرة نادرة الحدوث. وكانت الشوارع قذرة، ولم يكن يوجد نظام صرف صحي، لكن المدارس كانت جيدة، وكانت العيادة الوحيدة بالمستوطنة تقدم على الأقل العلاج مجانا، وكان الوصول إلى أقرب مدينة بها مستشفى يستغرق رحلة طويلة ولكنها ممكنة عمليا. أمام المنزل كان لكل عائلة حديقة، تزرع فيها الطعام؛ الفجل، والطماطم، والباذنجان، وعباد الشمس من أجل بذوره. كانت الحدائق تذكر هذه العائلات بالوقت الذي عاشت فيه في قراها الواقعة على التلال، وكانت تزرع محاصيل وافرة من التين والزيتون. عاد ميرزا من وقت لآخر إلى التلال؛ ليصلي في الأضرحة الإيزيدية ذات الأسطح المخروطية، وأحيانا لإلقاء نظرات إجلال على الكهوف الخفية المقدسة التي لجأت إليها العائلات الإيزيدية بسبب الاضطهاد في القرون الماضية.
يحتفظ الإيزيديون بقائمة من اثنين وسبعين اضطهادا تعرضوا له على مر القرون. وعلى وجه الخصوص، في القرن التاسع عشر، طاردتهم السلطات العثمانية عدة مرات بوصفهم هراطقة؛ وقد كانوا هراطقة مزعجين بشكل خاص لأنهم تهربوا من التجنيد العسكري ولم يدفعوا أي ضرائب. ومع ذلك فلم تكن مهمة العثمانيين سهلة. فحتى على أسهل الطرق، كانت سنجار على بعد مسيرة يوم من أقرب مدينة قبل اختراع السيارات. وكان الإيزيديون في العادة ندا جيدا للعثمانيين؛ فباستخدام معرفتهم بالتلال والكهوف المحلية، تمكنوا من صد الغزاة ونهب القوافل المارة. وحتى عندما كانوا يجبرون على اعتناق الإسلام، كان بإمكانهم العودة إلى ممارساتهم الدينية بمجرد رحيل الغرباء. وبوصفهم مزارعي كفاف، كان يمكنهم العيش دون الكثير من المساعدات من العالم الخارجي.
عاش الإيزيديون والمسيحيون جنبا إلى جنب عدة قرون، وكانت لديهم قضية مشتركة في القرون الماضية في مواجهة السادة المسلمين. وكان الناس يبدلون دينهم؛ حتى إن أحد الإيزيديين صار لديه اعتقاد بأنه كان كاهنا مسيحيا في تجسد سابق. (في الآونة الأخيرة، اتصل رجل مسيحي في ألمانيا بامرأة إيزيدية، زاعما أنه كان والدها في حياة سابقة. وكان الإيزيديون شكاكين.) ليس لدى الإيزيديين اعتراض خاص على الصلاة في الأضرحة المسيحية، وأحيانا يرتدون الصلبان؛ ولكن بوصفها تمائم للحماية من الشر، وليس علامة على اعتقاد.
عندما بلغ ميرزا من العمر أربعا أو خمس سنوات، أخذ شرقا على بعد أميال كثيرة إلى مكان يدعى لالش. وهو يقع في واد مشجر على بعد أقل من ثلاثمائة ميل شمال بغداد، ويتألف من مجموعة من المباني الحجرية القديمة. يصر الإيزيديون على أن هذا المكان هو مركز الأرض، حيث بدأ الخلق. تحت أحد مباني لالش، في مكان لا يسمح فيه بدخول غير الإيزيديين، غطس شيخ (يستخدم الإيزيديون الكلمة ذاتها التي يستخدمها المندائيون والمسلمون لأعضاء طبقتهم الكهنوتية) يرتدي ملابس بيضاء ميرزا في نبع مقدس يسمى زمزم؛ وتقام المراسم، مثل المعمودية المسيحية، مرة واحدة في العمر.
ولد ميرزا نفسه في طبقة الشيوخ. قال لي: «عندما كنت صغيرا جدا، قيل لي كيف أصبح شيخا. إنه منصب مرموق؛ حيث يجب على الأشخاص الذين يتقاتلون أن يتصالحوا عندما يأتي بينهم شيخ.» كان الشيوخ فئة من فئات الشخصيات الدينية التي يحترمها الإيزيديون، إلى جانب «الفقير» الناكر للذات، و«القوال» الذي يردد الأناشيد الدينية المقدسة، و«الكوتشيك» الذي يحرس الضريح في لالش، و«البير»، الذي تمثل طبقته طبقة كهنوتية أدنى من الشيوخ. كان الإيزيديون بحسب العادة يعتمدون على الشيوخ في إجراء معجزات بالإضافة إلى التوجيه الروحي. عالجت عائلة من المشايخ أمراض العيون باستخدام اللعاب أو غبار من مقبرة أجدادهم، وألقت أخرى تعاويذ على الثعابين. وتجنب جميعهم الأعمال اليدوية وعاشوا على الصدقات. عادة ما كانت الطائفة الإيزيدية تكره القراءة والكتابة (وهو أمر نعرف أنه ينطبق أيضا على الفرس القدماء)، وقبل قرن من الزمان، تميزت عائلة ميرزا عن غيرها من الشيوخ بإلمامها بالقراءة والكتابة.
وكانت عائلة ميرزا مكرسة خصوصا لملك شيخ حسن، الذي يعتقد الإيزيديون أنه كائن خارق ونائب الوصي على العرش من الملائكة الذين سيطرت مشيئته على الكواكب والنجوم. ويعتقد الإيزيديون أنه اتخذ شكلا بشريا يوما ما باسم الشيخ حسن، وكان قبره في لالش. لاحظت أن ميرزا دائما لا ينطق المقطع الأول من اسم حسن؛ لذا بدا الاسم مثل «شيخ-سن» أو «شيخ-سن». كلمة «شيخ» تعني «كبير» أو ربما «سيد»، وفي العصر البابلي والآشوري كان الناس في سنجار والمناطق القريبة منها يعبدون الرب سين، إله القمر. وبالمثل يقدس الإيزيديون شيخ شمس الذي يشبه اسمه اسم شماش، إله الشمس عند الآشوريين. واسمه ليس نقطة التشابه الوحيدة؛ فقبر شيخ شمس هو مكان إقامة الطقس الذي مجد منذ آلاف السنين شماش: التضحية العظيمة بالثور.
والغرض من التضحية هو جلب المطر في الشتاء والخصوبة في الربيع الذي يليه. ولذلك يجلب ثور صغير لا يقل عمره عن عام إلى داخل حرم لالش، ثم يطارده إلى ضريح الشيخ شمس رجال كانت قبيلتهم تتمتع بهذا الشرف منذ قديم الأزل. ويحمل الرجال عصيا رفيعة لقيادة الثور؛ ويحمل رجال آخرون بنادق آلية لإطلاق النار في الهواء للاحتفال. وعندما يصل الثور إلى ضريح الشيخ شمس، يؤسر ويقترب منه شيخ ليهمس في أذنه ثم يذبحه. يكاد يمكن وصف الحدث بكلمات ملحمة جلجامش التي مضى عليها أربعة آلاف سنة: «ولما قتلوا الثور اقتلعوا قلبه ووضعوه أمام شماش إله الشمس، وتراجعوا وسجدوا أمام شماش في إجلال». وليس هذا هو العيد الوحيد المتعلق بالشمس عند الإيزيديين. فهم يلتزمون بصيام ثلاثة أيام في ديسمبر، يليها يوم عيد يسمى عيد الصوم. فمنذ زمن بعيد عندما لم تظهر الشمس، جعلت ثلاثة أيام من صلاة وصيام الإيزيديين الرب يعيد الشمس؛ وهذا الحدث إحياء لذكرى تلك المناسبة.
العقيدة الإيزيدية، مثل المندائية، ديانة غامضة. وعلى النقيض من حرص الإيزيديين على إيصال رسائلها الباطنية وإقناع الآخرين بها، يريد رجال الدين إبقاءها سرية. ونظرا إلى أن ميرزا كان ينتمي إلى طبقة الشيوخ، فقد كان من حقه تعلمها؛ ولكن كان عليه أن يظفر بحق اكتساب هذه المعرفة. إذا التزم بارتداء جميع ملابسه باللون الأبيض دائما، والصيام مرتين في السنة مدة أربعين يوما في كل مرة، متخليا عن كل الطعام خلال ساعات النهار والبقاء في المنزل، فسيكتسب حينها القدرة على التنبؤ بالمستقبل، وأولئك الذين اتخذوا هذه الخطوة قبله سيعلمونه كتب الإيزيديين المقدسة غير المكتوبة. أخبرني ميرزا أن هذه الكتب المقدسة قد دونت مرة ولكن العلماء الغربيين سرقوا المخطوطات؛ وكل ما تبقى هو لفيفة جلدية عليها كتابة ذهبية، كان يعتقد أنها ستظهر له تاريخ شعبه. (في الواقع، المخطوطات التي اعتقد العلماء الغربيون يوما ما أنها كتب الإيزيديين المقدسة تبين حينها أنها مزيفة، واتضح أن الكتب المقدسة الحقيقية تنقل شفهيا. لقد أخفيت أسرار الديانة جيدا، حتى عن أتباعها.)
Página desconocida