Herederos de los Reinos Olvidados: Religiones Decadentes en Oriente Medio
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Géneros
قالت نادية إن سبب السرية كان مرتبطا بالإيمان بالسحر. «فبعض الناس يظنون أنهم إن أفصحوا عن اسمهم، يمكن استخدامه في السحر الأسود. لكنني أثق بك.» وأردفت، ضاحكة: «ليس بإمكانك الوصول إلى كتب السحر الأسود.» والسحر هو حلقة الصلة الرابعة والأخيرة بين المندائيين المعاصرين والبابليين القدماء. وتضمن كتاب «الفلاحة النبطية» عددا ضخما من التعاويذ السحرية في قائمة التقنيات الزراعية. (تتضمن بعض الأمثلة ما يلي: تجنب البرد عن طريق وضع سلحفاة على ظهرها في منتصف حقل، أو جعل ثلاث نساء حائضات يكشفن فروجهن عند اقتراب أي عواصف برد لجعلها تمضي في الاتجاه الآخر، باستخدام قوة دم الحيض الطاردة للشرور.)
في القرن السابع، قال الكاتب المسيحي يوحنا ابن الفنكي (الذي كان يعيش بالقرب من المنطقة التي هي حاليا الحدود التركية العراقية) إن السحر كان أكثر شيوعا في بلدته مما كان عليه في بابل القديمة. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، كانت إي إس دراور مفتونة ببقاء السحر في المجتمع العراقي. فقد كان السحرة - من مختلف الأديان - يتنبئون بمستقبل الناس ويكتبون أيضا تعاويذ الحب. وكتبت عن تعويذة حديثة كان بإمكانها الحصول عليها بسهولة من كتاب «الفلاحة النبطية»: «لمعالجة دمل بغداد ... خذ عصفورا، واقتله، وضع جسده بحيث يلمس الدم الدافئ الجديد القرح. ثم علق العصفور. وبينما يجف جسده، كذلك سيجف الدمل ويختفي.»
كتبت دراور أن اليهود والمندائيين كانوا مشهورين بوجه خاص بالتعاويذ. وفي الغالب كانوا يوزعون التمائم وتعاويذ الحظ السعيد، لكنهم كانوا يستخدمون أحيانا فنونا سحرية أكثر ظلامية. تتضمن مجموعة دراور في مكتبة بودلي كتابا عن «السحر الأسود»؛ أجازت دراور استخدام هذا المصطلح لأنه، على حد قولها، حتى في اللغة المندائية وصف هذا الكتاب بأنه «شرير»، حيث احتوى على تعاويذ لتدمير الزيجات، والإصابة بالمرض، وإلقاء اللعنات. تصفحت الكتاب ورأيت رسوما توضيحية لجسم الإنسان، ومخططات رقمية، ورموزا غريبة، وحروفا غير مقروءة تتكرر مرارا وتكرارا، وكلها ملطخة بالحبر (ربما يشير ذلك إلى افتقار الكاتب للمهارة؛ أو ربما بللت الصفحات كجزء من الطقس المعمول به، ففي بعض الطقوس السحرية في الشرق الأوسط، يشرب الماء الذي لامس حبر كتاب مقدس بوصفه نوعا من الطقوس). ويصف الكتاب تمائم مصنوعة من أجنحة خفافيش مكتوب عليها بدم هدهد ودم ذئب مسعور؛ وللشخص الذي مسه شيطان في يوم أحد (يوم المندائيين المقدس)، يجب عمل مرهم من لعاب حصان، ودم قرد وحمامة، وعصير نعناع ورجلة، وزيت زيتون وسمسم، ثم يدس في أنف الضحية.
من الواضح أن بعض هذه التعاويذ متوارث عبر الأجيال منذ العصر البابلي. واكتشفت دراور لفافة سحرية مندائية معروضة للبيع يمكن دفنها بجوار قبر في زمن الطاعون لتجنب انتشار المرض؛ بدأت بعبارة «باسم ليبات، سيدة الآلهة والرجال»، وهو تضرع لإلهة الحب البابلية ليبات (المعروفة أيضا باسم عشتار). حكى المندائيون الذين كانوا معاصرين لدراور أن الناس كانوا يستشيرون ليبات بشأن العرافين ويناشدونها لإلقاء تعاويذ الحب. وعثرت أيضا على تميمة مندائية حديثة مصممة للتفريق بين المتحابين، وكان نصها كما يلي: «فلينفصل بيل عن بابل، ونبو عن بورسيبا.» كان نبو هو الإله الذي سمي الملك نبوخذ نصر تيمنا به، وكانت بورسيبا خرابا أكثر من ألفي عام.
والتميمة الأكثر شيوعا بين المندائيين اليوم هي «السكندولة»، التي كانت نادية تعلقها على جدار مطبخها. أخبرتني أنها توضع تحت وسادة أو فراش الأطفال الصغار، وتوضع أيضا في سلة ملابس العروس في يوم زفافها. (تستخدم علاجات لعين الحسود، في التقاليد الأوروبية، في السياقات ذاتها؛ حيث تخبر قصيدة إنجليزية تقليدية عروسا أن ترتدي «شيئا مستعارا» و«شيئا أزرق اللون» في يوم زفافها.) وتتكون السكندولة من قرص دائري مصور عليه أربعة حيوانات: أسد، وثعبان، وعقرب، ودبور. وتمثل هذه الحيوانات قوى الظلام وتستخدم لتخويف الأرواح الشريرة. في مدينة أوروك جنوب العراق اكتشف علماء الآثار الألمان تميمة على شكل عقرب يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. زينت بوابة عشتار بمدينة بابل بفسيفساء تصور مخلوقا شبيها بالثعبان بقائمتين أماميتين كقوائم القطط؛ ربما لأن بإمكانه أن يستحضر القوى الشريرة لكل من الأسد والثعبان.
كانت خالة نادية تكسب رزقها في بغداد من إلقاء التعاويذ، كما أخبرتني نادية. وكانت جدران منزل هذه الخالة رقيقة، وعندما كانت نادية تلعب وهي صغيرة هناك مع أبناء خالتها، كان بإمكانهم جميعا سماع الاستشارة في الغرفة المجاورة بين الخالة وزبائنها المختلفين. وكان الناس يأتون إليها في أشد الحاجة إلى شيء قد يحسن حياتهم؛ غالبا ما كانوا يريدون أن تتزوج بناتهم رجالا أثرياء، وكانوا يأملون في أن تساعدهم تميمة. وفي مرة طلبت الخالة مساعدة نادية. وطلبت من الفتاة أن تكتب بسرعة على ورق كل ما يدور في رأسها، ثم أخذت قطع الورق وأعطتها للعملاء بوصفها تعاويذ سحرية. كانت خالة نادية تؤمن بتأثير هذه الأشياء؛ لأنه في كثير من الأحيان يجد الزبائن بالفعل تحسنا في حياتهم بعد ذلك.
كانت خالة نادية شخصية لطيفة ومحبوبة، مما يساعد في تفسير السبب في أن الناس كانوا يفصحون لها عن مكنونات صدورهم. ونتيجة لذلك، كان لديها نظرة ثاقبة في كل طبقة من المجتمع العراقي؛ بما يكفي لجذب انتباه الشرطة السرية. قالت خالة نادية: «لقد اختبروني. أرسلوا فتيات متخفيات جلسن معي وتحققن مما كنت أفعله بالضبط. قالوا لي إنني كنت بريئة لأنني فعلت كل شيء علانية.» ربما كانوا يحاولون تحديد ما إذا كان أي شيء تخريبي يحدث؛ لأن العراف يمكن أن يكون في وضع يسمح له بتجنيد المتآمرين. أو ربما كانوا يبحثون عن أدلة على استخدام السحر الأسود (أي اللعنات؛ فقد اعتبرت التمائم وقراءة الطالع سحرا أبيض غير ضار )، الذي ربما كان من شأن فاعله أن يتعرض للعقاب.
كانت خالة نادية لا تزال تلقي التعاويذ في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت نادية تدرس اللغات في جامعة بغداد وتعمل بدوام جزئي في مطبعة حتى تتمكن من دفع رسوم جامعتها. كانت تلك أوقاتا صعبة؛ فبعد غزو العراق للكويت عام 1990، دمرت العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة اقتصاده. وانخفض دخل الفرد بنسبة خمسة وثمانين بالمائة. وأصبحت الشوكولاتة نادرة جدا لدرجة أن صديقة لنادية احتفلت بتخرجها من الجامعة بإعطاء قطعة صغيرة من الشوكولاتة لكل واحدة من صديقاتها؛ وأخذت نادية قطعتها إلى المنزل وقسمتها مع أختها. تعين على المدرسين في الجامعة قضاء نصف يومهم في العمل سائقي سيارات أجرة، حتى إن أحدهم كان يأخذ تلاميذه بالسيارة إلى الفصل؛ فقد كان بحاجة إلى الأجرة ليضيفها إلى راتبه الضئيل. وكان الأطفال يرسلون للبحث عن عمل بدلا من الذهاب إلى المدرسة. حدث هذا، في بلد كان لديه في يوم من الأيام 35 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، وكانت طبقته المتوسطة في عام 1990 تشكل أكثر من نصف عدد السكان، وخفض نسبة الأمية بين من هم دون سن الخامسة والأربعين إلى أقل من عشرة بالمائة.
وفي يوم، خرجت خالة نادية من إحدى استشاراتها في إلقاء التعاويذ يعلو وجهها تعبير مضطرب. سألتها نادية وأبناء خالتها عن الخطب. قالت: «أوه، إنها تلك العميلة التي غادرت للتو. أرادت تميمة لابنتها. تبلغ من العمر خمسة عشر عاما فقط، لكن الأم تريد تميمة لمساعدة ابنتها في العثور على رجل ثري لتتزوجه. الجد مريض والأعمام عاطلون عن العمل. وعندما أخذت المرأة التميمة، أخبرتني أنها كانت تزين ابنتها بمساحيق التجميل وترسلها للطرق على باب الله. لذلك كنت أتساءل عما يمكن أن يعنيه ذلك.» كانت عبارة «الطرق على باب الله» عبارة قد يستخدمها العامل للإشارة إلى الوقوف في طابور مع العمال الآخرين الذين ينتظرون أن يستأجرهم أحد. «وأدركت أنه لا بد أنها ترسل ابنتها للعمل في الدعارة.»
لم يكن الفقراء واليائسون هم فقط من كانوا يريدون التعاويذ. فكذلك فعل صدام حسين، كما قالت نادية. وبدأ حزب البعث بزعامة صدام حكمه بقمع وحشي للمعارضين السياسيين، ومن بينهم المندائي الأشهر في العراق، عبد الجبار عبد الله. ولد عبد الله في قرية في جنوب العراق عام 1911، وتمكن من السفر إلى أمريكا والدراسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ كما عمل تحت إشراف ألبرت أينشتاين، الذي أعجب كثيرا بموهبة تلميذه حتى إنه أهداه قلمه الباركر. كان عبد الله عالم أرصاد جوية (وهو فرع من العلوم يناسب بوجه خاص المندائيين، الذين ورثوا افتتان البابليين بالنجوم). عندما أطاح القومي اليساري عبد الكريم قاسم بالنظام الملكي العراقي وتولى السلطة عام 1958، أصبح عبد الله أول رئيس لجامعة بغداد. غير أنه كان شيوعيا؛ وهو أمر شائع في ذلك الوقت بين الأقليات في العراق، الذين اعتبروا الأيديولوجية العلمانية للشيوعية بمنزلة وقاية من التعصب الديني. لذلك عندما استولى حزب البعث المناهض للشيوعية على السلطة عام 1963، أرسل رجالا لاعتقال عبد الله؛ واقتحموا مكتبه في الجامعة، وأعلنوا إقالته، واعتقلوه. ولكن فقط عندما استولوا على قلم أينشتاين وكسروه أمام عبد الله، انفجر في البكاء. أطلق سراح عبد الله لاحقا، وفر إلى الولايات المتحدة، حيث توفي.
Página desconocida