114

El Rostro y la Máscara

الوجه والقناع

Géneros

في نافذة بارزة لأحد أجمل البيوت في روتشستر بمدينة نيويورك، جلست الآنسة ألما تيمبل تنتظر والدها لدى عودته من البنك. كان السيد هوراس تيمبل أحد الرجال الأقوياء ماديا في روتشستر، وكان يعمل رئيس بنك تيمبل الوطني. ورغم أن الوقت كان لا يزال في بداية شهر ديسمبر، كان الشتاء ينذر بأنه سيكون هو الأقسى منذ عدة سنوات، فكان الجليد يغطي الشوارع بطبقات صلبة، لكنه لم يكن بالصلابة الكافية ليسمح للناس بالتنقل باستخدام زلاجة الجليد. كان الجو في غاية البرودة. وفجأة، ابتعدت الآنسة ألما عن النافذة وقد تورد وجهها سريعا، ومن المؤكد أن ذلك لم يكن سببه مجيء والدها . كان هناك شاب أنيق يتقافز على الدرج في خفة، ثم ضغط الشاب على الزر الكهربائي عند الباب. وحين دخل الشاب إلى الحجرة بعد لحظة، كانت الآنسة ألما تجلس بالقرب من نيران المدفأة في رزانة. تقدم الشاب نحوها بسرعة، وأخذ كلتا يديها الممدودتين في يديه. ثم حياها برقة وحنان، وهو ينظر خفية في جميع أنحاء الغرفة، حياها بطريقة لا يرى راوي هذه الأحداث أنه ملزم بسرد تفاصيلها. لكن، ربما يكون جديرا بالذكر أن المقاومة التي ظنت الآنسة الشابة أنها ملائمة لهذا الموقف كانت مقاومة واهنة وغير ذات جدوى، وهكذا نفهم - منذ البداية - أن هذا الشاب وتلك الشابة كانا على درجة كبيرة من التفاهم فيما بينهما.

بدأ الشاب حديثه قائلا: «تبدين متفاجئة لرؤيتي.» «في الواقع يا والتر، لقد فهمت أنك غادرت آخر مرة بعد أن أفصحت عن عزمك في حماسة كبيرة بأن ظلك لن يطأ عتبتنا مرة أخرى.» «حسنا، أنت تعرفين يا عزيزتي أنني أكون متسرعا في بعض الأحيان؛ وفي الواقع، الطقس غائم كثيرا هذه الأيام، وبأي حال، لن يحدث ذلك فارقا إن أتيت ووطئ ظلي عتبة بابكم مرة أخرى، ففكرت أن آتي وأجازف بذلك.» «لكنني فهمت أيضا أن أبي جعلك تقطع وعدا، أو أنك قطعت الوعد من تلقاء نفسك، بألا تراني مرة أخرى من دون إذن منه؟» «ليس من تلقاء نفسي. بل كان الأمر بعيدا كل البعد عن ذلك. كنت مكرها، أؤكد لك. لكنني لم آت لكي أراك. أنت مخطئة في ذلك. إن رؤيتك الآن مجرد صدفة، وقد بذلت قصارى جهدي لكي أتجنب وقوعها. هذا حقيقي! لقد قالت الخادمة: «هلا دخلت إلى غرفة الصالون.» وهكذا فعلت بطبيعة الحال. ولم أكن أتوقع أن أجدك هنا. ظننت أنني رأيت سيدة شابة بجوار النافذة بينما كنت أصعد إلى هنا، لكن نظرتي كانت خاطفة حتى إنني اعتقدت أنني كنت مخطئا.» «إذن سأتركك ولن أقاطع ...» «لا تفعلي. إنني أرجوك الآن ألا تغادري بسببي يا ألما. تعلمين أنني ما كنت لأتسبب لك في أي مشكلة.» «أنت عطوف جدا يا سيد براون، أنا واثقة من هذا.» «بالفعل أنا كذلك آنسة تيمبل. وكل أصدقائي يقرون بهذا. لكن، بما أنك هنا الآن ... بالمناسبة، لقد جئت لرؤية السيد تيمبل. أهو بالمنزل؟» «إنني أتوقع وصوله في أي لحظة.» «أوه، حسنا، لقد خاب أملي، لكنني أعتقد بأني سأنتظره بعض الوقت ... حتى يصل إلى المنزل.» «كنت أعتقد أن آخر لقاء بينكما لم يكن سارا كثيرا بحيث تطلب لقاءه مرة أخرى بهذه السرعة.» «الحقيقة يا ألما أن كلينا فقد أعصابه بعض الشيء، ومردود هذا لا يكون جيدا أبدا. لا يمكن للمرء أن يبرم الصفقات في وقت الغضب كما تعلمين.» «أوه، إذن طلبك يد ابنته كان صفقة ... مجرد عرض عمل، أليس كذلك؟» «حسنا، أقر بأنه فسر الأمر على هذا النحو، وبقوة أيضا. وبالنسبة إلي كان الأمر سيخالطه السرور لو وافق، لكنه لم يوافق. اسمعي يا ألما، أخبريني بصراحة بوجه اعتراضه علي على أي حال (لقد حدثك والدك في هذا الأمر دون شك).» «أتصور أنك ترى نفسك شابا مرغوبا فيه كثيرا حتى إنه ليدهشك كثيرا حين يبدي أحد اعتراضا عليك؟» «أوه، بحقك يا ألما، لا تمعني في جرحي بينما أنا في موقف سيئ كهذا. إن زهوي بنفسي وخيلائي لا يزيدان عما لدى أي شاب عادي، لكن، على الجانب الآخر، لست بأحمق - على الرغم من ظاهر الأمر - لكيلا أعرف أن بعض الناس يرونني شخصا لديه مؤهلات ومرغوبا فيه. وفي رأيي أنني لا أتصف بصفات سيئة كثيرة. فأنا لا أعاقر الشراب؛ ولا ... أوه، يمكنني أن أصنع لك قائمة بالأشياء السيئة التي لا أفعلها.» «لا شك أنك صريح بما يكفي، أيها الشاب ذو المؤهلات. ومع ذلك، يجب ألا تنسى أن أبي يعد حموا ذا مؤهلات أيضا، إن كان الأمر يتعلق بذلك.» «بالطبع، أقر بذلك. كيف يمكن له ألا يكون كذلك وهو أب لابنة فاتنة مثلك؟» «تعرف أنني لا أقصد ذلك يا والتر. كنت تتحدث عن الثروة وكنت أقصد أنا ذلك. ربما من الأفضل أن نتطرق إلى موضوع آخر.» «بالمناسبة، هذا يذكرني بما أتيت لرؤيتك بشأنه. ماذا ...» «لرؤيتي؟ كنت أظن أنك أتيت لرؤية أبي.» «أوه، أجل ... بكل تأكيد ... أتيت لرؤيته، بالطبع، لكن في حالة أنني رأيتك، فكرت في أن أسألك عن المزيد من التفاصيل في القضية. لقد طرحت عليك السؤال لكنك راوغت في الإجابة. لم تخبريني لم هو متحيز ضدي. لماذا عاملني بطريقة فظة حين تحدثت إليه عن الأمر؟ إن طلب يد ابنة من أبيها ليس عملا إجراميا. أؤكد لك أنه ليس كذلك. لقد بحثت في القانون عن هذا الأمر، ويقول أحد أصدقائي - وهو يعمل محاميا - إن القضية المقدمة لا ينطبق عليها نص قانوني. فقانون ولاية نيويورك لا ينظر إلى فعلي على أنه ضد سلام الولاية وازدهارها. وفي الواقع، عاملني الرجل وكأنني ضبطت متلبسا في سرقة بنك. والآن أريد أن أعرف وجه اعتراضه. سأسمع ...» «صه! ها قد حضر أبي الآن.»

غادرت الآنسة ألما الحجرة ولقيت والدها في الردهة. ووقف السيد براون وقد وضع يده في جيبه وأعطى ظهره إلى المدفأة. وسمع صوت السيد تيمبل الفظ وهو يقول فيما بدا أنه رد على معلومات قالتها له ابنته: «أحقا؟ ماذا يريد؟»

ثم ساد الصمت لحظة، وبعدها قال الصوت نفسه: «حسن إذن، سألتقيه في غرفة المكتبة بعد بضع دقائق.»

وبطريقة ما تلاشت شجاعة السيد براون الشاب حين سمع صوت المصرفي، أما المعلومات التي كان قد قرر أن يطلبها في غرور وخيلاء؛ فقد رأى أنه قد يطلبها بلطف أكثر.

ثم أضاء وجه السيد براون حين انفتح الباب، لكن لم تكن الآنسة ألما هي من فتحته. قالت له الخادمة: «السيد تيمبل في غرفة المكتبة يا سيدي. فهلا تبعتني!»

تبعها الرجل ووجد السيد تيمبل جالسا إلى الطاولة في غرفة المكتبة والتي كان قد وضع عليها لتوه بعض الأوراق التي تبدو ذات صبغة قانونية، وكانت الأوراق مربوطة إلى بعضها برباط مطاطي سميك. كان من الواضح أن عمله في البنك لم ينته حين غادر البنك. ولاحظ براون الشاب أن السيد تيمبل بدا مهموما ومنهكا، وأن أسلوبه كان مختلفا كثيرا عما كان عليه في آخر لقاء بينهما. «طاب مساؤك سيد براون. يسرني حضورك. كنت أريد أن أكتب إليك، لكن موضوع حديثنا في تلك الليلة قد أنساني إياه انشغالي بأشياء أخرى أكثر أهمية.»

فكر السيد بروان الشاب على نحو يصعب قبوله أنه ينبغي ألا تكون هناك أمور مهمة لأي أب أكثر من سعادة ابنته، لكنه كان يتحلى بمنطق سليم يمنعه من قول ذلك. «لقد تحدثت إليك في تلك الليلة بأسلوب من الصعب تبريره، وأريد أن أعتذر منك على ذلك. كان من الممكن أن أقول ما قلت بأسلوب يراعي مشاعرك أكثر من ذلك.» «إذن، آمل يا سيد تيمبل أنك غيرت رأيك في ...» «لا يا سيدي. لا زلت ملتزما بما قلت حينها - بفحوى ما قلت وليس بطريقة قولي إياه.» «هل لي أن أسأل عن وجه اعتراضك علي؟» «بالطبع. اعتراضي عليك هو نفس اعتراضي على معظم الشباب في الوقت الحالي. إذا سألت عنك، فماذا سأجد؟ أنك مجدف بارز ... أنك بلا وظيفة ... وأن مميزاتك في الجامعة تنحصر في أنك كنت كابتن فريق كرة القدم، و...» «لا، لا، فريق البيسبول.» «الأمر سيان في رأيي.» «بل مختلف تماما، أؤكد لك يا سيد تيمبل.» «الأمر سيان بالنسبة إلي على أي حال. والآن، في زمني كان الشباب يواجهون صعابا أكثر، وكانوا يتغلبون عليها. إنني كما يقولون رجل عصامي، وربما كان حكمي على الشباب في هذا الوقت أقسى مما ينبغي. لكنني لو كان لدي ابن لسعيت أن أعلمه كيفية إنجاز شيء ما، ثم أتحرى أنه أتمه.» «إنني ممتن لك لأنك أبديت وجه اعتراضك يا سيد تيمبل. لقد تخرجت في كلية هارفرد للقانون، لكنني لم أزاول المهنة قط لأنني - كما قال الصبي الصغير - لست في حاجة إلى ذلك. ربما لو تحدث إلي أحدهم بالطريقة التي تحدثت بها إلي لكنت شمرت عن ساعدي وبدأت العمل. ولم يفت الأوان بعد. هلا منحتني الفرصة؟ بوظيفة الصراف في البنك لديك، على سبيل المثال؟»

كان وقع تلك الكلمات الساذجة في ظاهرها على السيد تيمبل مذهلا. فقد هب الرجل واقفا وهوى بقبضته على الطاولة في عنف مما جعل السيد براون الشاب ينتفض في مكانه. ثم صاح بنبرة حازمة قائلا: «ماذا تقصد يا سيد؟ ماذا تقصد بقولك هذا؟»

راح براون يتلعثم قائلا: «أنا ... أنا ... أقصد ...» لكنه لم ينطق بالمزيد. كان يعتقد أن الرجل العجوز قد فقد صوابه فجأة. كان الرجل يحدق إلى براون على الجانب الآخر من الطاولة وكأنه على وشك أن يطبق على رقبته في أي لحظة. ثم بدا الشحوب على وجهه مرة أخرى، ومرر يده على جبينه، ثم غاص في كرسيه وهو يغمغم.

Página desconocida