1
وكانا قد قطعا ثلثي الجبل والذئب أمامهما، ولا تخلو تلك الأماكن المقفرة من غيره من الوحوش، فصارا يسيران رجوعا على غير هدى راضيين من الغنيمة بالإياب، سالمين من مفاجأة الوحوش والذئاب؛ لأنهما كانا لا ينظران شيئا أبعد من عشرين قدما، فأشبها في هذه الحالة رجلين مكتوفين ملقيين لسباع البر؛ لأن سلاحهما وأيديهما التي كانا يعتمدان عليها لم تعد تجديهما نفعا.
وكانا من حين إلى حين يطلقان بندقيتهما في الفضاء إرهابا وإبعادا للوحوش عنهما.
وبينما هما سائران كعميان يتلمسون الطريق، وقد تكاثف الضباب فيها حتى لم يعد يرى أحدهما موضع قدمه، وإذ هوت أقدامهما في واد صغير فسقطا، وانطلقت البندقيتان في سقوطهما، ولولا رحمة الله لقتلتهما، ولكنهما لم يكادا ينهضان مترضضين حتى سمعا طلقا ناريا قريبا منهما في بطن الوادي وصائح يصيح بصوت أجش: الوحش الوحش الوحش.
فانقطعت حينئذ أنفاسهما وجمدا في مكانهما يتوقعان أمرا جديدا.
فلم يلبث أن لاحت لهما من خلال الضباب المتكاثف على قيد ذراعين منهما صورة هائلة.
فإن وحشا هائل الجثة منتصبا على قدميه مغطى جسمه بالشعر، وله وجه كوجوه البشر حوله شعر كثيف طويل ولحية مخيفة، كان واقفا أمامهما وقفة الأسد ينتظر فريسته.
فكاد دمهما حينئذ يجمد في عروقهما خوفا وجزعا، ومد سليم يده إلى بندقيته، ولكنه تذكر أنها كانت فارغة.
أما ذلك الشخص الهائل، فكأنه فهم فكر سليم، فرفع بندقيته في الفضاء كتهديد وإنذار، وصاح بصوته الأجش: الوحش الوحش الوحش، فعجب حينئذ سليم وكليم من أن ذلك المخلوق الغريب قادر على النطق كالبشر، فرأيا حينئذ وجوب المجاملة، فأخفيا جزعهما وابتسما، وقال كليم: العوافي يا عم.
فأجاب ذلك المخلوق الهائل: الله يعافيك، ماذا تفعلون هنا؟
Página desconocida