فرفع حينئذ أبو مرعب صوته وقال مخاطبا الفريق الذي كان يقاوم: يا شباب، هل هذا المنزل منزلكم؟ فأجابوا: كلا. فقال: وهل لصاحبه الحق في إقفاله أو هدمه أو تلعيب القرود فيه أم لا؟ فأجاب أحدهم وكان أجرأهم: نعم له الحق في ذلك، ولكن ليس له الحق في أن يضع فيه شيئا يضر بأهل القرية كلهم. فقال أبو مرعب وقد بدا الغضب في وجهه: وما هو هذا الشيء يا ابن طنوس؟ فقال: «المرض!»
1
فصاح به الشهم أبو مرعب: هل أنت بدون دين يا ابن طنوس حتى تضطهد وتطرد المرضى والضعفاء الذين أوصت ديانتنا بمساعدتهم وزيارتهم؟ ولماذا لا تطرد القرية أباك لما مات منذ سنتين بعلة الجذام؟!
فسكت ابن طنوس، ولكن شابا بجانبه أجاب: هل الغريب كالقريب يا أبا مرعب؟ فقال أبو مرعب: عافاك الله يا ابن سركيس فإنك نطقت بالحق، فأنتم إذن تريدون اضطهاد هؤلاء الضيوف لأنهم أجانب وبروتستنت لا لحفظ صحة القرية، فأنا أخبركم أنني الآن آخذهم إلى بيتي، وكل من تحدثه نفسه بمنعي فليتبعني.
ثم اندفع أبو مرعب إلى البغال فأخذ بأحدها ومشى في المقدمة يتبعه المسافرون، وبجانبه كليم وسليم يعجبان من كرم أخلاق هذا القروي.
أما المسافرون الأميركان، فإنهم كانوا في أثناء ذلك يضحكون وقد أفهمهم ترجمانهم كل ما جرى، فأجابوا: يس يس؛ أي إنهم رضوا بالإقامة في منزل أبي مرعب، إلا أنهم لم يشكروه على ذلك شكرا خصوصيا.
ولما استقر بهم المقام في بيت أبي مرعب نادى سليم وكليم ترجمانهم، وكان من تراجمة بيروت قدم معهم لهذا الغرض، وبعد أن تعرفوا به سألوه عن رفاقه وقصتهم، فأخبرهم أن هؤلاء الثلاثة الأميركان هم من حواشي أميركي كبير قادم للسياحة في جهات الأرز، فسأله سليم: وما اسمه؟ فأجاب الترجمان: اسمه (مستر كلدن). فصاح سليم: مستر كلدن أحد أغنياء أميركا العظام؟
فقال الترجمان: نعم فإن زوجته مريضة، وقد حضر معها للسياحة في أعالي لبنان، وقد أشار عليهم أطباء بيروت أن يتخذوا الحدث محطة لهم إذا أعجبتهم؛ لأن هواءها أجف الأهوية، ومنها يزورون الأماكن الجميلة التي بجوارها، وهذا ما جعلنا نتقدمهم وننتظرهم.
فقال كليم: إذن لستم مرسلين أميركيين كما ظن أهل القرية. فضحك الترجمان وقال: كلا. فقال كليم: ومن من رفاقك المصاب بداء الصدر؟ فضحك الترجمان أيضا وقال: لا أعرف أحدا مصدورا بينهم، ولكن لون أحدهم ضارب إلى الاصفرار فحسبوه مصابا، أو أنهم ادعوا ذلك تأييدا لحجتهم. فضحك سليم وقال: لا بأس، نحن نحمد هذه الصدفة التي جعلتهم قريبين منا؛ لأننا سنتعرف بالمستر (كلدن) ولا شك. فقال الترجمان: وهل تحبون التعرف برجال بطانته؟ فأجاب سليم: ذلك ما نتمناه.
وفي المساء زار سليم وكليم المسافرين الأميركان فأحسنوا استقبالهم، وقد سروا لمصادفتهم أديبين مطلعين يحادثانهم بلغتهم حديثا مفيدا عن المكان والسكان.
Página desconocida