بدأ كلود يخبرها عن الفيل الذي يقوم بحركات كوميدية والكلاب المدربة، وجلست تستمع إليه وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعيدة بلهاء، وكان يوجد أيضا وراء ابتسامتها شيء ينم عن حكمة وبعد نظر.
أتت ماهيلي للعمل لديهم منذ وقت طويل، وحينها لم يكن يتجاوز عمر كلود أكثر من بضعة أشهر. أتت إلى الغرب مع عائلة من فيرجينيا لا تحسن التدبير؛ ومن ثم تشتت وتفرق أفرادها تحت وطأة حياة المزارع الجديدة. وعندما ماتت الأم في تلك العائلة، لم تجد ماهيلي أي مكان تذهب إليه؛ ومن ثم استأجرتها السيدة ويلر. لم يكن لدى ماهيلي أحد يعتني بها، ولم يكن لدى السيدة ويلر أحد يساعدها في العمل؛ ولذا لقي العون بعضهما في بعض.
عاشت ماهيلي أياما صعبة في شبابها؛ إذ تزوجت من إنسان همجي يعيش في منطقة جبلية، أساء معاملتها في أغلب الأحيان، ولم ينفق عليها على الإطلاق. كان بإمكانها أن تتذكر أوقاتا كانت فيها تجلس في الكوخ وبجانبها برميل وجبات فارغ ووعاء حديدي بارد تنتظر «إياه» كي يحضر سنجابا اصطاده أو دجاجة سرقها. وفي كثير من الأحيان كان لا يدخل إلا بإبريق من ويسكي جبلي وقبضتين وحشيتين يضربها بهما. الآن، كانت تعتقد أنها في رغد من العيش؛ إذ لا تتوسل من أجل الطعام ولا تضطر إلى التوغل في الغابات من أجل جمع الحطب؛ ومن ثم فهي تضمن الحصول على سرير دافئ وحذاء وملابس جيدة. كانت ماهيلي ابنة لأبوين أنجبا ثمانية عشر ابنا، نشأ معظمهم بإعاقة ذهنية أو في حياة الجريمة، وأنهى اثنان من إخوتها - مثل زوجها - حياتهما في السجن. لم تلتحق بالمدرسة البتة؛ ولذا فهي لا تستطيع القراءة والكتابة. ولما كان كلود فتى صغيرا، حاول أن يعلمها القراءة، ولكن ما تتعلمه في ليلة كانت تنساه في الليلة التي تليها. كان يمكنها العد ومعرفة الوقت من الساعة، كما أنها تفخر بشدة بمعرفتها الحروف الأبجدية، وبقدرتها على تهجي الحروف المكتوبة على جوالات الدقيق وعبوات القهوة. كانت تتمتم: «هذا حرف
A
كبير، وذاك حرف
a
صغير.»
كانت ماهيلي تتمتع بفطنة في تقدير الناس، وكان يعلم كلود أنها تصدر أحكاما ملائمة بشأن الكثير من الأشياء. واتضح له أنها تدرك جميع أطياف المشاعر الشخصية، ومواطن الاتفاق والاختلاف بين أفراد المنزل، تماما كما كان يفعل، وما أحب أن يفوته رأيها السديد. لقد كانت تستشيره في جميع الصعوبات الصغيرة التي كانت تواجهها. فإذا تعرضت ساق طاولة المطبخ إلى الخلخلة، فإنها كانت تعلم أنه سيثبتها لها ببراغي جديدة. وعندما كسرت يد مرقاق العجين، وضع له يدا أخرى، وركب مقبضا لسكين تقطيع اللحم التي تفضلها بعد أن قال الجميع إنه يجب رميها. حظيت تلك الأشياء بقيمة جديدة في نظرها بعد إصلاحها؛ ومن ثم أحبت العمل بها. وعندما كان يساعدها كلود في رفع شيء أو حمله، فإنه كان لا يتحاشى قط ملامستها، وكانت تشعر بذلك في أعماقها. كانت تشك بأن رالف ربما لا يحبها، وأنه يفضل أن تتولى المطبخ امرأة شابة ونشيطة.
في مثل الأيام هذه التي لا يوجد فيها الآخرون في المكان، كانت ماهيلي تحب أن تتحدث مع كلود عن الأشياء التي فعلاها معا عندما كان صغيرا؛ عن تجولهما بالقرب من النهير يوم الأحد، حيث كانا يقطفان العنب البري ويراقبان السناجب الحمراء، أو يتسكعان معا عبر المراعي العالية حتى يصلا إلى أجمة من البرقوق البري في الطرف الشمالي من مزرعة ويلر. بإمكان كلود أن يتذكر أيام الربيع الدافئة لما كانت أشجار البرقوق مزهرة كلها، وكانت ماهيلي معتادة على الاستلقاء تحت ظلها والغناء لنفسها، وكأن حلاوة العسل الشهية للبرقوق جعلتها تشعر بالنعاس؛ أغاني من دون كلمات في معظمها، ولكنه كان يتذكر أغنية رثائية جبلية لم تنفك عن التغني بها تقول: «وأدخلوا جيسي جيمس إلى قبره.»
4
Página desconocida