قال أبو بكر: فإني قد أعتقته يا رسول الله!
ومر قوم آخرون من أصحاب النبي بحي آخر من أحياء قريش فيرون - ويا هول ما يرون! - نارا عظيمة قد أججت، ويرون رجلا قد شد وثاقه،
229
ويرون قوما يحملونه ويدنونه من النار حتى توشك أن تحيط به، ثم يختطفونه اختطافا فيبعدون به عن النار، ثم يقيمونه أمامهم مشدودا مقيدا، ثم يتقدم أحدهم فيدفع برجله في صدره دفعة تسقطه إلى ظهره وهم يتضاحكون، ثم يعودون فيفعلون به مثل فعلهم الأول. يقول له قائلهم: اذكر آلهتنا بخير، وقع
230
في محمد ودينه أو لتميتنك هذه النار وهذه الأرض! فلا يسمعون منه إلا: أشهد أن محمدا رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق. وما يزالون يقدمونه إلى النار، ويؤخرونه عنها، ويدفعونه إلى الأرض، ثم يردونه قائما حتى يغشى عليه.
هنالك يقول بعضهم لبعض: أبقوا عليه يا معشر قريش، لا تأتوا على نفسه، فيسألكم عنه حلفاؤه من زهرة.
ويعود أصحاب النبي فينبئون إخوانهم بما رأوا من أمر خباب بن الأرت، وتمضي أمور قريش والمستضعفين من المسلمين على هذا النحو الأيام ثم الأشهر ثم السنين، لا تبلغ قريش من هؤلاء المستضعفين شيئا في دينهم، إلا أن تكون كلمة الله قد حقت على بعضهم فيفتن عن دينه ويكفر بعد إسلام، أو أن يكون الله قد آثر بعضهم بالحسنى فيختاره لجواره، ويجعل له عنده مقاما محمودا.
اجتمعت قريش ذات يوم لأمر عظيم حين انتصف النهار، زعم لها أبو جهل أنه بالغ من ياسر وأهله ما يريد، فقد عذبهم حتى أشفوا على الموت، ولن يتركهم حتى يذكروا آلهة قريش بخير، ويقعوا
231
Página desconocida