وقد أنكر الفتى من أخته نشاطها وذهولها جميعا، ولكنه أسر ذلك في نفسه ولم يبده لها، ومضى فيما كان يسوق من حديث ضاحكا مضحكا، حتى إذا أنفق معها ساعة غير قصيرة هم أن ينصرف، وقامت أخته تريد أن تسعى معه مشيعة إلى فناء الدار، ولكن عبد الله ينحني على أخته يريد أن يضمها إليه وأن يقبلها، فتذعر سهلة وتتراجع شيئا، وينظر إليها عبد الله في شيء من حيرة ودهش، وتنظر هي إلى عبد الله في دهش وحيرة، ثم يعود عبد الله إلى مكانه فيجلس، وتظل سهلة قائمة واجمة كأنها لا تدري ماذا تصنع ولا تعرف كيف تقول.
قال عبد الله بعد هنيهة: إن أمرك لعجيب منذ اليوم يا سهلة، أليس قد أزمعتم الهجرة من غد؟!
قالت سهلة وقد ظهر عليها الروع: أي هجرة؟! هنالك أغرق عبد الله في الضحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم فتاة غرة
209
تريد أن تمكر بأخيها، إن هجرة أصحاب محمد إلى أرض الحبشة ليست سرا مكتوما، وإنما هو حديث الناس في مجالسهم وحديث الملأ
210
من قريش في أنديتهم، وإن قريشا لو شاءت لأخذت على أصحاب محمد طرق هجرتهم،
211
ولكنها لا تشاء، ولعلها لا تكره هذه الهجرة، فقد جعلت قريش تسأم محمدا وأصحابه، وتسأم الكيد لهم والمكر بهم والإلحاح على المستضعفين منهم بالفتنة والعذاب، وقد فرحت قريش بهجرتهم هذه، وقال الملأ منها شر يصرف عنا وراحة تهدى إلينا، وإن أعين قريش ليقظة ساهرة على محمد ونفر من أصحابه، فهؤلاء رهائن قريش لا تخلي بينهم وبين الطريق إن أرادوا أن يدفعوا أنفسهم إلى الطريق، فأما المستضعفون وأشباه المستضعفين فليس لقريش فيهم أرب.
وكانت سهلة تسمع لهذا الحديث وآيات الروع والحزن والرضا تختلف على وجهها، وهي مع ذلك قائمة تسمع من أخيها ولا ترد عليه جوابا.
Página desconocida