189
قال عتبة بن أبي ربيعة: مهلا أبا الحكم، لا تبطش بهذا الفتى الهذلي؛ فإن زهرة لن تسلمه، وإنك إن تنله بسوء تؤلب هذيلا كلها
190
على قريش وتقطع عليها طريقا لا تحرص على شيء كما تحرص على أمنه وسلمه.
قال أبو جهل: هو ذاك، ولكن أقسم مع ذلك لأذيقن هذا الفتى بعض ما يكره إن قدرت عليه. ولم يقدر عليه أبو جهل إلا بأخرة حين أذن النبي لأصحابه في الهجرة إلى أرض الحبشة. مر أبو جهل ذات يوم غير بعيد من المسجد، فرأى رهطا من الناس قد تحلقوا
191
حول رجل ضئيل نحيل، وخيل إليه من بعيد أنه يقول لهم وأنهم يسمعون له، فاستأنى
192
أبو جهل في مشيته، وضاءل من شخصه، وتمسح بالجدران، ومضى كذلك مستخفيا أو كالمستخفي، حتى فجأ القوم، فوقف منهم غير بعيد، يراهم ولا يرونه، وتسمع لصوت ذلك الرجل الضئيل النحيل، فإذا صوت عذب يتلو كلاما عذبا، فيصغي أبو جهل بنفسه كلها ليسمع ما يجري به هذا الصوت العذب من هذا الكلام العذب، وإذا ابن مسعود يتلو على من حوله هذه الآيات الروائع من سورة الفرقان:
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما * والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما * والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا * والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما .
Página desconocida