وإنه لفي غنيماته تلك ذات يوم، وإذا رجلان يقفان عليه، وقد ظهر على وجهيهما شيء من خوف أخذ يذهب شيئا فشيئا، فيستريح الرجلان ساعة مما أدركهما من الجهد، وكأنهما قد اضطرا إلى كثير من العدو أمام قوم كانوا يجدون في آثارهم، وينظر الفتى إليهما صامتا لا يقول لهما شيئا. وما الذي يعنيه من أمرهما، وهو إنما خلا إلى غنيماته تلك ليصرف نفسه عن أمر الناس ويصرف الناس عن أمره؟! ولكن أحد الرجلين يسأله، فيقول: يا غلام، هل عندك من لبن تسقينا فإنا ظماء؟
قال الغلام: إني مؤتمن، ولن أسقيكما، ولو كانت هذه الغنيمات لي لما بخلت عليكما بما ينقع الغلة ويبل الصدى.
179
فينظر أحد الرجلين إلى صاحبه نظرة مطمئنة كأنه يقول له: لقد أصاب الغلام وآثر البر. ثم يحول الرجل نظره المطمئن إلى الغلام ويقول: فهل عندك من جذعة
180
لم ينز عليها الفحل؟
قال الغلام: أما هذا فنعم. ثم يمضي غير بعيد ويعود ومعه شاة، فيعتقلها الرجل ذو النظر المطمئن، ثم يمسح على ضرعها ويدعو بكلام يسمعه الغلام ولا يعقله، وينظر الغلام فإذا الضرع قد حفل، وإذا الرجل الآخر يأتي صاحبه بصخرة متقعرة فيحلب فيها ويسقيه، ثم يسقي الغلام، ثم يشرب هو، ثم يقول للضرع: اقلص.
181
فيعود الضرع كعهده قبل أن تعتقل الشاة.
هنالك يبهت
Página desconocida