150
من أعراب بني عامر، فجعلت تدفع في صدر أحدهم بقبضة يدها اليمنى، وتجذب ثوب أحدهم الآخر بيدها اليسرى، تريد أن تردهما عن ذلك الصبي الذي ألحوا عليه صفعا وتأنيبا،
151
وكان أولئك الرهط من بني عامر قد أقبلوا من نجد يسوقون بين أيديهم مطايا تحمل تجارة من حب العراق، فلما باعوا تجارتهم وباعوا الرواحل التي كانت تحمل هذه التجارة، أرادوا أن يبيعوا غلامهم ذاك، فعرضوه هنا وهناك، ولكنهم لم يجدوا طالبا له ولا راغبا فيه، فأحفظت
152
عليه نفوسهم وقست عليه قلوبهم، وهموا أن ينصرفوا به ليعرضوه على من يمرون بهم من أحياء العرب، لعلهم أن يجدوا له مشتريا. ولكن الغلام أظهر شيئا من التمنع والتأبي؛ كانت نفسه تكره أن ينقلب معهم لكثرة ما صبوا عليه من الأذى وما نالوه به من المساءة، فلما أظهر الامتناع عليهم جدوا في تأديبه وتأنيبه، وأدركتهم أم أنمار الخزاعية وهم يصنعون به هذا الصنيع، فرق له قلبها، ورحمته مما كان يلقى من الضر، فاندفعت تردهم عنه وتحميه.
قال أحد أولئك الرهط من بني عامر لأم أنمار: ما أنت وذاك؟! ما رأينا كاليوم امرأة سوء! ولو كنت في غير هذا الحرم لمسك منا بعض ما تكرهين.
قالت أم أنمار، وقد أخذ الغضب يسكت عنها وأخذ الابتسام يسعى في وجهها المتجعد: ولكني في هذا الحرم؛ فلن تصل إلي أيديكم، ألا تستحيون من أجسامكم هذه الطوال العراض؟! ومن لحاكم هذه التي وخطها
153
الشيب؟ ومن لممكم
Página desconocida