قال رباح: إنك لتسخر من ليلي وصبحي، وإن ليلي لمنجل، وعسى أن ندرك انجلاءه، وإن صبحي لمسفر وعسى أن ندرك إسفاره؛ فإن لم ندركه نحن فسيدركه ابنك أمية وسيدركه ابني بلال.
فهز خلف رأسه ورفع كتفيه، وقال: حسبك يا رباح، تحدث بهذا إلى غيري، أما أنا فإني زائد في عطائك لمكان هذا الصبي من أسرتك، ولولا أن قسما عظيما قد سبق مني لرددت إلى زوجك حريتها ولجعلت ابنك حرا مثلك، ولكنك تعلم أنها أقبلت غازية لنا مستخفة بنا منتهكة لحرماتنا
146
فأمسك عليك أهلك،
147
وعيشا سعيدين بصبيكما، فلن يمسكم ما حييت سوء، ولكني أقدر لكم على أكثر من ذلك.
قال رباح وهو يهز رأسه ساخرا: أقبلت لكم غازية! أقبلت لكم غازية! وماذا كانت تعرف من أمر الغزو؟! لقد كانت فتاة غافلة لا تكاد تعقل نفسها، ولكن الكبار يأثمون فيؤخذ الصغار بآثامهم.
قال خلف: ما رأيت كاليوم حكيما، انصرف الآن عني واستقبل حياتك سعيدا موفورا، ولا تذع حكمتك هذه في الناس، فيصيبك منها بعض ما تكره.
وعاش رباح وحمامة ما شاء الله أن يعيشا، قد رضيا من الحياة بما قسم لهما، وفرغ لابنيهما بلال وأخيه - الذي نسي التاريخ اسمه وذكر بعض أمره - ينشئانهما كما تعود أمثالهما تنشئة أبنائهم في منزلة وسط بين منزلة الأحرار ومنزلة الرقيق. ثم انصرفا عن هذه الدنيا، وتركا فيها هذين الغلامين يعملان في ضيعة خلف، ويسعيان في خدمة جمح كلها.
وعاش خلف ما شاء الله أن يعيش، ثم انصرف عن هذه الدنيا وترك ابنه أمية فتى قويا جلدا، وارثا مع إخوته لما ترك من العروض والأرض ومن النعم والرقيق.
Página desconocida