91
وأن أفصح لك عما يضيق به صدرك ولا ينطلق به لسان؟
قال عبد الله بن جدعان: وإنك لتعلم دخائل الصدور؟!
قال صهيب: لقد نجحت في رحلتي إلى اليمن وأرض النجاشي، وجلبت إليك مالا كثيرا، فأنت تود لو أرسلتني في تجارتك إلى الشام وأرض قيصر، وتظن أني سأجلب لك منها أكثر مما جلبت لك في رحلة الشتاء، وأنت تأمنني على مالك وتجارتك لا تخاف أن يصيبك فيهما ضير، ولكنك لا تأمنني على نفسي، وإنما تقدر أني قد نشأت حرا في بلاد الروم، وأني خليق إن رأيت هذه الأرض أن أقيم بها وألا أعود إليك، وعسى أن أحتجز فيها ما استودعتني من تجارة ومال.
قال عبد الله بن جدعان: أما هذا فلا، إنك عندي أمين على المال والتجارة.
قال صهيب: أولست تراني بعض مالك؟! فأمني على نفسي كما تأمنني على ما سترسل معي في العروض،
92
وبعد فأرح نفسك من هذا العناء، وانهض في تهيئة تجارتك إلى أرض قيصر، فسأرحل عنك، وسأعود إليك بمال لا عهد لك بمثله، فأنا أعلم الناس بما يحب الروم وما يكرهون، وليس لي في بلاد الروم أرب،
93
وليس لي بالإقامة فيها كلف، فقد علمت منذ آخر الصبا وأول الشباب أن بلاد الروم ليست لي بدار، وقد علمت منذ آخر الصبا وأول الشباب أن لي في قريتك هذه أربا أي أرب، ولولا ذلك لما قمت معك، ولما أذعنت لسلطانك، وأي شيء أيسر على مثلي من أن يفوتكم إن شاء الفوت، ولستم بذوي حرس ولا بأصحاب شرط؟! ولو قد شئت لخادعتكم فخدعتكم حتى أخرج من حرمكم هذا، ثم تطلبونني ما وسعكم الطلب فلا تجدون إلي سبيلا، ولو قد أدركتموني لم تقدروا علي.
Página desconocida