Los fundamentos culturales de las naciones: jerarquía, pacto y república
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Géneros
20
من هذه المناقشة المختصرة، يتكون لدينا انطباع واضح يتمثل في أن إمبراطوريات أواخر العصر القديم والعصور الوسطى كانت بعيدة عن فكرة الأمة وممارساتها، وأن عددا قليلا من العمليات الضرورية لتكون الأمم كان موجودا خلال تاريخها الطويل؛ ولهذا السبب أيضا لا يمكننا توقع وجود أي إحساس بالهوية القومية بين سكان تلك الإمبراطوريات. وكان ذلك ينطبق على بيزنطة وإيران الساسانية بصفة خاصة. بالتأكيد، كان لدى النخب في كل إمبراطورية من تلك الإمبراطوريات إحساس بالهوية الجمعية في مقابل الآخر، بالإضافة إلى أساطير الأصل المشترك، لكن تلك الهوية كانت إما دينية خالصة - سواء أرثوذكسية أو زرادشتية - وإما سياسية متمثلة في دولة تكتلية بدلا من أمة موحدة. كلتا الإمبراطوريتين بنت كذلك مجموعة معقدة من الأساطير، والذكريات، والتقاليد، والرموز، وفي حالة بيزنطة نمت الإمبراطورية البيزنطية إحساسا قويا بالاختيار الإلهي، لكنه اختيار إلهي مرتبط بإيمان ديني، وحاكم مقدس، وليس مرتبطا بشعب أو أرض. ولعل ما هو أكثر أهمية أنه لا يوجد إلا أدلة قليلة على انتماء الذكريات والروابط إلى أقاليم محددة. وجد بين النخبة الساسانية إحساس غامض بتفوق إيران، ووجد ذلك الإحساس أيضا داخل إيران الفارسية، لكن الإمبراطورية كانت في واقع الأمر تحالفا مكونا من أمراء المقاطعات وطبقات النبلاء، وكانت حالات الولاء الإقليمية المشهودة تلك ذات طابع محلي. وكما رأينا، فقد كان الأمر نفسه ينطبق على الإمبراطورية البيزنطية. من ناحية أخرى، فقد كانت مدينة القسطنطينية هي ما ولد إحساسا بالانتماء الإقليمي.
إلا أن هذه ليست القصة كاملة؛ فكما رأينا، كانت توجد محاولات لنشر ثقافة عامة دينية في كل من إيرانشهر وبيزنطة، وكان رجال الدين في كلتا الحالتين نشطين في معارضة الأديان الأخرى وقمع الهرطقات. ونظرا لارتباط الدين بالعرقية في أغلب الأحيان، فقد أدى هذا إلى تمييز «الانتماء العرقي» السائد على حساب الأقليات العرقية الثقافية. علاوة على ذلك، كانت المراسم العامة للإمبراطورية وطقوس العبادة فيها مرتبطة بالدين السائد، ويحددها رجال الدين، ورغم ذلك، نجد مجددا أننا في حالة الإمبراطورية البيزنطية نتعامل مع دين للناس كافة. في هاتين الإمبراطوريتين، اتبع نشر القوانين والعادات تقاليد الشرق الأدنى القديم، لكن الإمبراطورية البيزنطية اعتمدت أيضا على تراث روما، لا سيما تحت حكم جستنيان.
لكن الحالة الروسية مختلفة بعض الشيء؛ فلم يقتصر الأمر على وجود تعريف ذاتي واضح للمجتمع منذ وقت مبكر، بالإضافة إلى تنمية الكثير من الأساطير والقصص المتوارثة والتقاليد والذكريات الروسية، بل وجد أيضا ارتباط قوي بالوطن الروسي. بطبيعة الحال، كانت المستوطنات الناطقة بالروسية موزعة على نطاق كبير يمتد إلى الشمال الغربي نحو نوفجورود، وإلى الشمال الشرقي نحو فلاديمير، وسوزدال، وتفير، وموسكو. افتقرت عملية الأقلمة البطيئة غير المتعادلة إلى الحدود الواضحة ل «أمة العهد» التي ستصبح النموذج القومي الغربي. إلا أنها على الصعيد الشعوري قدمت أساسا وافرا لترسيخ النطاقات العرقية، وفي نهاية المطاف، ولا سيما في العصر الحديث، تقديم هوية قومية مرتبطة ب «الطبيعة» الروسية ومناظرها بصفة خاصة.
21
علاوة على ذلك، فكما رأينا، شهدت فترة روسيا الموسكوفية تكون ثقافة عامة أرثوذكسية أصبحت بعد سقوط الإمبراطورية البيزنطية ثقافة دينية روسية حصرية لمملكة الإيمان «الحقيقي» الوحيدة المتبقية. من ناحية أخرى، ليس من المؤكد إن حدث توحيد للقوانين في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ومدى ذلك التوحيد، نظرا لامتداد الإمبراطورية، وعادات مجتمعاتها العرقية المختلفة، والأملاك الكبيرة للطبقة الأرستقراطية. ولم تؤسس بيروقراطية مركزية متمتعة بالقوى الكافية لنشر قوانين موحدة عبر هذه المساحة الشاسعة إلا بعد إصلاحات بطرس الأكبر، على الرغم من أن الإحساس بالمجتمع الروسي كان في ذلك الوقت قد أضعفه نوعا ما دمج الشعوب المجاورة في إمبراطورية روسية أكثر اتساعا. ورغم ذلك، فإنه بداية من القرن الخامس عشر وحتى القرن السابع عشر، من الممكن أن نتبين معالم أمة هرمية ترتكز على القيصر، والكنيسة، والمجتمع الأرثوذكسي، وتجمع بين ارتباط واضح بالأرض وثقافة عامة أرثوذكسية مع أعتاب فجر العصر الحديث.
22 (5) هل شهد الغرب أمم ما قبل الحداثة خلال العصور الوسطى؟
إن بحثنا عن مقومات الأمة في أعقاب انقسام المملكة الرومانية الغربية يعد هباء ولا جدوى منه، بحسب الافتراضات الواردة في السجلات التاريخية لقوميي القرن التاسع عشر التي تنسب أصول الأمم الأوروبية إلى كلوفيس الأول أو أرمنيوس أو هينجيست. بالفعل، تسجل مصادرنا تلاحقا سريعا لفئات عرقية نشطة، إلا أنه، باستثناء أمثلة قليلة، يبدو مفهوم تلك الفئات للتعريف الذاتي متغيرا على نحو محير، فضلا عن أن أساطير الأصل لتلك المجموعات غالبا ما تكون سريعة الزوال. يقول باتريك جيري إن هذه الأساطير والرموز هي في الغالب من اختلاق أمراء الحروب ورؤساء القبائل الساعين إلى إضفاء الشرعية على مناصبهم من خلال النسب النبيل، في حين أن تلك التحالفات الهشة التي يتزعمونها كانت تبلغ علم الرومان عن طريق مخبريهم تحت أسماء قبلية، فما كان من الرومان إلا أن منحوا تلك الفئات العرقية والجماعات الإقليمية المتغيرة المقسمة - في الغالب - قدرا أكبر من الموضوعية والرسوخ يفوق ما تستحقه، وذلك بما يتوافق مع النماذج والتوقعات العرقية الخاصة بهم. ومرة أخرى، باستثناء بعض الأمثلة الشهيرة، لا نجد قدرا كبيرا من مظاهر ارتباط الذكريات ومشاعر الانتماء الجمعية بمنطقة أو إقليم بعينه، أو تنمية الإحساس بالوطن. أما بالنسبة إلى العمليات الأخرى الأساسية لتكوين الأمة، التي تتمثل في نشر ثقافة عامة وتوحيد الممارسات القانونية، فيبدو أنها كانت إلى حد بعيد من اختصاص خلفاء روما من الأباطرة في الإمبراطورية الكارولنجية والإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكذلك من اختصاص القوة البابوية الصاعدة.
23
كانت الاستثناءات من هذه الصورة العامة في النصف الثاني من الألفية الأولى في أوروبا موضوع جدال محتدم؛ فقد أوضحت سوزان رينولدز أن بعض ممالك العصور الوسطى الأكثر استقرارا التي ظهرت في القرنين التاسع والعاشر، أبرزها مملكة الأنجلوسكسونيين، ومملكة الفرنجة، ومملكة النورمان، «مرتبطة بجماعة» (عشيرة، أمة، شعب)، ومفترض أن تلك الجماعة مجتمع طبيعي قديم له تقاليد وعادات وقانون وأصل مشترك. ومن خلال وصفها ب «الممالك» مقارنة بالأمم (الحديثة)، ومن خلال وصف شعورهم بالولاء بأنه «ملكي» بدلا من قومي، انتقدت رينولدز وجهة النظر القديمة التي تبناها هيو سيتون واتسون بسبب أنها وضعت رؤية غائية للتطور السياسي، وترى هذه الرؤية أن الأمة السابقة الوجود تتحرك حتما من خلال اكتساب «الوعي القومي» نحو الحالة النهائية وحدود الدولة القومية. هذا النوع من وجهات النظر يمنعنا من فهم مثل ومشاعر مجتمعات العصور الوسطى على حقيقتها فهما واضحا خاليا من الافتراضات الحداثية المسبقة التي غالبا ما تكون قومية.
Página desconocida